السبت 27 أبريل 2024

هل تتخلص النيجر من القواعد العسكرية الأمريكية؟

النيجر

المجلس العسكري في النيجر يعلن "الإلغاء الفوري" للاتفاق العسكري مع أمريكا

ⓒ ح.م
  • الجزائر من أكبر المستفيدين من طرد القواعد الأمريكية في حال قبلت واشنطن الانسحاب
كاتب صحفي

في تطور هام وكبير للأوضاع في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، لا يقل أهمية عن طرد النفوذ الفرنسي من المنطقة، قررت السلطات العسكرية الحاكمة في النيجر، إلغاء الاتفاق العسكري الذي جمع النيجر والولايات المتحدة الموقع عام 2012 والذي يسمح بوجود قوات عسكرية أمريكية على أراضي النيجر، داخل قاعدتين عسكريتين تعدان بين الأكبر من نوعها في إفريقيا، الأمر الذي يعني تحولا هائلا واستراتيجيا في موازين القوى بين الشرق والغرب في الصحراء جنوب الجزائر.

وجاء القرار النيجري المفاجئ بالإلغاء “بأثر فوري” للاتفاق العسكري مع الأمريكان، في بيان تلاه السبت، المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم بالنيجر، العقيد أمادو عبد الرحمن، عبر التلفزيون الرسمي الحكومي، ليفجر خلافا كان خفيا بين واشنطن ونيامي، حول توجهات المجلس العسكري وتحالفاته المتجهة رأسا نحو التحالف مع قوى دولية مناوئة لأمريكا مثل روسيا والصين وإيران وحتى تركيا، وذلك بعد شهور طويلة من حصول الانقلاب العسكري في نيامي دون أن تلوح في الأفق أي إشارات من الحكام الجدد للنيجر لإعادة تسليم السلطة للمدنيين كما وعدوا بذلك، ولا تقديم أي دلائل على حفظ المصالح الغربية في البلاد.

وبرر المجلس العسكري في النيجر خطوته من خلال البيان نفسه، هذه الخطوة التي تعني في ما تعنيه العمل على طرد القوات الأمريكية من النيجر، وإلغاء القواعد العسكرية الأمريكية الأكبر في القارة الإفريقية، بكون القرار “ينسجم وطموحات ومصالح الشعب النيجري”، وبأن الوجود العسكري الأمريكي غير قانوني وينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية، وأن الاتفاق الملغى غير عادل وتم فرضه من جانب واحد من قبل الولايات المتحدة عام 2012”.

إلا أن الواضح في خلفية القرار المفاجئ، أنه كان نتيجة حتمية لحالة “الانسداد” بين واشنطن ونيامي حول التوجهات السياسية للمجلس العسكري وأحلافه الدولية، حيث جاء القرار مباشرة بعد مغادرة وفد دبلوماسي أمريكي رفيع لنيامي بقيادة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، وحضور قائد القوات الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، على إثر زيارة استمرت لثلاثة أيام من المفاوضات والاتصالات، انتهت على ما يبدو إلى عدم اتفاق حول مستقبل العلاقات الثنائية ومصير التعاون بين البلدين خاصة في الجانب العسكري.

وكان واضحا منذ البداية أن حكام نيامي “الانقلابيين”، كانوا متوجسين من زيارة الوفد الأمريكي، حيث رفض رئيس المجلس الانتقالي الحاكم عبد الرحمن تياني استقباله، بحجة أن الزيارة التي قام بها الوفد الأمريكي جاءت دون إخطار السلطات النيجرية، الأمر الذي تم تفسيره فورا على أنه محاولة أمريكية لتجاوز سلطات الأمر الواقع في النيجر، ومحاولة للابتزاز بخصوص مشروعية الحكام الجدد في البلاد.

ورغم أن الوفد الأمريكي تم استقباله من طرف رئيس وزراء النيجر علي زيني، إلا أن الخلافات ظلت قائمة بشكل كبير خاصة في ما يتعلق بالتوجهات الواضحة لقيادة المجلس العسكري النيجري نحو تفضيل القطب الروسي الصيني الإيراني على حساب القطب الغربي الأمريكي الفرنسي تحديدا.

الأسباب الظاهرة والخفية

ورغم محاولات حكومة النيجر ومجلسها العسكري، تصوير قرار إلغاء الاتفاقية العسكرية مع الأمريكان، باعتبارات تتعلق بـ”السيادة الوطنية”، و”رفض التدخل في الشأن الداخلي للنيجر”، إلا أن ذلك وحده لا يمكن أن يكون كافيا لتبرير قرار خطير بهذا الشكل، إلا عبر ربطه بالتوجهات الواضحة لحكام نيامي نحو التحالف مع دول المعسكر الشرقي التي لا تهتم عادة “بالشروط الديمقراطية” للحكم، ولا تطالب بعودة الديمقراطية كما تفعل الولايات المتحدة والغرب عموما عندما يتعلق الأمر بحماية مصالحها، وهو الاتجاه العام الذي من خلاله يمكن فهم القرارات السابقة للمجلس العسكري الحاكم في النيجر مثل طرد السفير الفرنسي وطرد القوات الفرنسية من البلاد، وإنهاء مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي.

والواضح أن محاولة “الانقلابيين” الحديث في بيانهم عن “الاتفاق العسكري الأمريكي النيجري الموقع عام 2012، في عهد الرئيسين الأسبقين الأمريكي باراك أوباما، والنيجري محمدو إيسوفو”، بأنه “ينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية”، هو بحد ذاته تناقض فج لا يمكن استساغته، كون القوى الانقلابية لا يمكنها أن تؤمن بالقواعد الدستورية ولا بالديمقراطية، تماما كما لا يمكن للأمريكان تبرير ضغوطهم الكبيرة على حكام نيامي بالرغبة في فرض النهج الديمقراطي في البلاد، لأن موقف واشنطن منذ البداية لم يكن معارضا بما يكفي للانقلاب على حكم الرئيس السابق محمد بازوم، وقد ظل الوضع معلقا طوال الشهور الثمانية الماضي من عمر الانقلاب، إلى أن تأكدت أمريكا من توجهات الحكام الجدد نحو التحالف مع موسكو وبكين وطهران، وهنا قامت واشنطن بالمساومة الخطرة، المتعلقة بضرورة الإسراع في تسليم السلطة للمدنيين، والتي دفعت سلطة نيامي القائمة بأمر الواقع باختيار معسكرها علانية، واتخاذ القرار الذي تريثت طوال المدة الماضية في اتخاذه، وهو إنهاء الوجود الأمريكي من تراب دولة النيجر.

ولا ينطلق قادة المجلس العسكري في النيجر فقط من خلفية التخلص من “المساومات الأمريكية” بخصوص الحكم المدني، بل من خلفيات أوسع تصل إلى حد التذكير بما قامت به واشنطن خلال حرب الخليج الثانية عندما استعملت أمريكا ورقة “اليورانيوم النيجري” في مجلس الأمن، لتبرير الهجوم على نظام صدام حسين المتهم حينها بمحاولة تطوير أسلحة الدمار الشامل، وكلها عوامل تكون وراء اضطرار حكام النيجر الجدد اللجوء إلى سلاح إلغاء الاتفاق العسكري مع أمريكا، بوصفه أقوى الأوراق التي بيدها للضغط على أمريكا.

الجزائر والقواعد الأمريكية

ويعد قرار النيجر إلغاء الاتفاق العسكري مع أمريكا، تمهيدا لطرد قواعدها العسكرية من البلاد، وهو الأمر الذي يعني مباشرة الأمن القومي الجزائري، خاصة وأن القواعد العسكرية الأمريكية في النيجر هي الأكبر في إفريقيا كلها، ولديها قدرت هائلة خاصة في مجال الطائرات المسيرة شديدة التطور.

وتعد قاعدة أغاديز الجوية الأمريكية بالنيجر الأكبر من نوعها في إفريقيا، قاعدة شديدة القرب من الحدود الجزائرية حيث لا تبعد عنها سوى بـ480 كلم، وهي قادرة على نشر طائرات من دون طيار من طراز MQ9 الفتاكة التي يمكن تزويدها بأسلحة لشن ضربات جوية، إلى جانب قدراتها على تحريك الطائرات المقاتلة، ورغم أن المعلن عن تحركات القوات الأمريكية وقواعدها في النيجر أنها تستهدف الجماعات المسلحة والإرهابية خاصة ما تعلق منها بالقاعدة و”داعش” وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات المسلحة المتواجدة في منطقة الساحل والصحراء، إلا أنها مع ذلك تشكل خطرا على الأمن القومي الجزائري، بالنظر إلى التقنيات التكنولوجية العالية التي تملكها خاصة في مجال المراقبة والتجسس.

إلا أن القواعد الأمريكية في النيجر، لا تهدد في الواقع الأمن القومي الجزائري فقط، وإنما تهدد الأمن القومي لكافة دول شمال وغرب إفريقيا، حيث أن قاعدة أغاديز وصفت من طرف المسؤولين الأمريكان أنفسهم بأنها ”أكبر مشروع بناء للقوى العاملة العسكرية الأمريكية في تاريخ الولايات المتحدة”، ومهمتها تتجاوز بكثير “شماعة” محاربة الإرهاب إلى ما هو أخطر بما يتعلق بمحاصرة ومراقبة دول المنطقة كلها، خاصة تلك التي تشذ عن الطوق والهيمنة الأمريكية.

هل تقبل أمريكا؟

ولا يعرف كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة عمليا على هذا القرار الخطير المتعلق بإزالة وجودها العسكري في النيجر، وتهديد نفوذها العسكري في القارة الافريقية في حال سقوط قاعدتها العسكرية الأكبر في القارة، ولذلك فقد جاءت تصريحات واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر حذرة للغاية والاكتفاء بالقول إن الإدارة الأمريكية أخذت علما بقرار النظام العسكري النيجري.

وسيكون على واشنطن أن تتعامل مع قرار خطير وكبير كهذا الذي يحرمها من تواجد حوالي 1500 جندي في القارة السمراء، ويمكن تفسيره على أنه بداية لطرد القوات الأمريكية رسميا من النيجر.

والسؤال الكبير المطروح الآن هو هل ترضخ واشنطن لهذا القرار من المجلس العسكري وتنسحب من المنطقة بهذه السهولة من مقار وقواعد عسكرية صرفت عليها مئات ملايين الدولارات، وتحقق لها منفعة عملياتية واستخبارية كبرى في كامل شمال إفريقيا وغربها؟ السؤال سيبقى مطروحا لأن الولايات المتحدة لديها أدوات ضغط قوية أيضا مثل فرض عقوبات على النيجر تحت مسمى انتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان تضاف إلى عقوبات “سيدياو”، وقطع المساعدات على البلاد، أم أن الأمر سيتم لملمته في آخر لحظة بالنظر إلى تشابك المصالح المركبة في كل المنطقة.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top