الخميس 09 مايو 2024

لأول مرة.. أمريكا تتجه لوقف إطلاق النار بغزة

إطلاق النار

مشروع قرار أمريكي وصل إلى "صيغته النهائية" يتحدث لأول مرة عن وقف دائم للحرب

ⓒ رويترز
  • مقترحات حماس الجديدة تحاصر نتنياهو وتضع رأسه في المزاد
كاتب صحفي

من المتوقع أن تشهد الأوضاع في غزة تطورات دراماتيكية غاية في الأهمية خلال الأيام القليلة المقبلة، مع بروز مؤشرات قوية عن تغيّر في الموقف الأمريكي الذي ظل طوال الشهور الستة الماضية مساندا بالمطلق للجرائم الصهيونية، إلى الاقتناع بحتمية وقف إطلاق النار الفوري في غزة، بسبب المتغيرات “الخطيرة” في المنقطة، خاصة على الجبهة اليمنية بعدما أسقط الحوثي عامل “الردع الأمريكي” في المنطقة بظهور الصواريخ الفرط صوتية، والتلويح بتوسيع العمليات من باب المندب إلى رأس الرجاء الصالح مع إدماج المحيط الهندي في العمليات التي تستهدف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، إلى جانب فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي إنجاز استراتيجي وتصاعد حدة الخلافات داخل “كابينيت” الحرب الصهيوني.

وهكذا فقد ذكرت مصادر أمريكية وأخرى إسرائيلية، بينها “نيويورك تايمز” و”معاريف”، إنضاج مشروع قرار أمريكي لأول مرة في مجلس الأمن منذ بداية الحرب على غزة، يتحدث عن “وقف إطلاق نار فوري ومتواصل” في غزة، وأن المشروع الأمريكي وصل إلى “صيغته النهائية”، وأنه سيتم طرحه للتصويت في الأيام القليلة المقبلة.

وبحسب تلك المصادر فإن هناك تغيرا واضحا في الخطاب الأمريكي تجاه العملية الإسرائيلية المرتقبة في رفح، والتي ما زال نتنياهو يهدّد بها إلى الآن، حيث لوحظ تشدد في النبرة الأمريكية هذه المرة ضد تلك العملية التي بات يعارضها العالم أجمع، باعتبارها ستكون “خطرا حقيقيا لانتهاك القانون الإنساني الدولي”، وأن هذا التوجه الأمريكي الجديد نحو فرض وقف إطلاق النار، يأتي كجزء من دعم الولايات المتحدة لصفقة تحرير الأسرى الإسرائيليين.

الحوثي يقلب المعادلة رأسا على عقب

وتشير جل التحليلات لسبب هذا التغير المرتقب للموقف الأمريكي الذي ظل داعما بلا تحفظ للكيان في عدوانه على غزة طوال قرابة نصف عام، على جانب صمود المقاومة وحماس في غزة كل هذا الوقت، إلى دخول عامل حاسم ومؤثر تمثل في تمكن الحوثي في اليمن، من قلب المعادلة القائمة كلها رأسا على عقب، بعد أن تمكن بشكل مثير للإعجاب من إسقاط نظرية الردع الأمريكي في منطقة باب المندب، وتمكنه في المدة الأخيرة من إدخال صواريخ جد خطيرة بينها صواريخ فرط صوتية، مع توجهه أخيرا لإدماج المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا ضمن العمليات، الأمر الذي أثار رعبا خليجيا وأمريكيا كبيرين على مصالحهما الحيوية التي لا يمكن المغامرة بها من أجل مواصلة حماية الكيان.

وإلى جانب هذا المعطى الرئيس، فقد تمكن حزب الله من تحجيم التهديدات الصهيونية للبنان، وفرضه قواعد لعبة جديدة بالنار على الكيان الصهيوني، وهو ما مكن محور المقاومة الداعم لغزة من فرض موضوع “القيادة لحماس” في مجمل كل المعادلة، بحيث أعطى اليمن ولبنان ومعه جبهة العراق المساندة قرار الحرب والسلم، لقيادة حماس داخل غزة، وهي وحدها القادرة على وقف الحرب في جميع الجبهات بعكس ما ظلت أمريكا وإسرائيل تحاولان فصل غزة عما يجري في باب المندب ولبنان.

بهذا يكون الأمريكان قد اقتنعوا تماما أنه لا إمكانية بوقف إطلاق النار في باب المندب الذي امتد أخيرا الى كامل المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح إلا عبر الرضوخ لوقف إطلاق النار في غزة أولا، باعتبار أن غزة هي التي تقود المعركة المشتركة، وبالتالي فإن الفكرة التي يتبناها نتنياهو لاجتياح رفح والإطاحة بقيادة حماس، تعني عدم إمكانية وقف إطلاق النار لا في باب المندب ولا في لبنان ولا في أي منطقة إسناد أخرى، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على المصالح الأمريكية كلها، كما يعني حربا شاملة في المنطقة لا يمكن وقفها، وحرب استنزاف دائمة.

هل تضطر أمريكا لإسقاط نتنياهو؟

وأمام هذه التطورات، يقف رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو كأكبر معرقل لوقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي بدأ معه الانقسام الكبير والتشظي داخل مجلس الحرب الصهيوني، وكذا داخل المؤسسات الصهيونية كلها، وحتى داخل المجتمع نفسه، إلى الحد الذي بدأت فيه واشنطن لا تخاطب فيه نتنياهو على أنه صاحب القرار الفعلي في غزة، وإنما التعامل مع أطراف وجهات أخرى من المؤسسة الأمنية والعسكرية وحتى من السياسيين المدنيين.

وكان لافتا عقد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، السبت، اجتماعا بديلا عن الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحرب، بشأنّ صفقة الأسرى المحتملة مع حركة حماس، في غياب مثير للجدل لرئيس الحكومة نتنياهو، شارك فيه كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي والموساد والشاباك والوفد المفاوض حول صفقة الأسرى”.

ومن المثير للسخرية أن رئيس الوزراء الذي يفترض أن يكون هو الحاكم الفعلي للكيان، لم تتم دعوته لحضور هذا الاجتماع الهام، خلافًا لكل الاجتماعات السابقة التي تعقد مساء كل سبت، منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وذلك بسبب المواقف الراديكالية التي ما زال يتمسك بها نتنياهو حيال الصفقة المتوقعة لتبادل الأسرى ووقف الحرب، حيث من الواضح أن جناح واشنطن داخل الكيان بدأ يتحرك نحو فرض تلك الصفقة بدعم من الولايات المتحدة التي تكون قد اقتنعت أخيرا بضرورة إسقاط نتنياهو والذهاب الى انتخابات مبكرة داخل الكيان كما بدأ زعيم المعارضة لابيد التبشير بذلك.

ومن المرجح أن يأخذ الجيش الصهيوني زمام المبادرة بدعم من الولايات المتحدة للذهاب لصفقة مع حماس والمقاومة لوقف إطلاق النار، خاصة بعدما تأكد للجيش ولمختلف الأجهزة الأمنية استحالة القضاء على حماس، ودخول عامل الضغط الأمريكي المتأثر بالحملة الدولية المناوئة للجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة دائرة الفعل عبر ما يتم تسريبه عن بداية نفاذ قذائف المدفعية من مخازن الجيش الصهيوني، واتجاه الرئيس بايدن لتأييد تشاك شومر لعزل نتنياهو، خاصة بعد ما أشاد بايدن بخطاب زعيم مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير ضد تصرفات نتنياهو.

هل يستسلم نتنياهو؟

إلا أن المعركة الجديدة التي يبدو أنها اندلعت بين بايدن ونتنياهو حول قضية وقف إطلاق النار في غزة، والتي في حال حصولها تعني نهاية نتنياهو شخصيا، وذهابه للمحاكمة، لم تحسم بعد خاصة وأن نتنياهو يحظى بدعم اليمين المتطرف الصهيوني، وليس من المرجح أن يرمي بالمنشفة البيضاء بسهولة.

ولذلك فإن قرارات نتنياهو في مثل هذه الظروف قد تكون قرارات انتحارية، وهو ما ظهر من خلال عودة نتنياهو للتأكيد هذا الأحد، على أن قوات الجيش الصهيوني ستقوم بهجوم بري في رفح رغم كل التحذيرات من سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، ورغم المعارضة الأمريكية والعالمية.

وقال نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء بأن الضغوط الدولية المكثفة لن تمنعه من دخول رفح وإجلاء المدنيين منها، في تحد واضح للخطط الأمريكية لمنع حصول المذبحة، وفي وقت تستأنف المفاوضات في قطر بمشاركة الوفد الإسرائيلي.

ويواجه نتنياهو ورطة أكبر إلى جانب التحول في الموقف الأمريكي، تتمثل في الموقف الجديد لحماس من المفاوضات لوقف إطلاق النار، حيث تحاصر المقترحات الجديدة للحركة رئيس الوزراء الصهيوني من كل جانب، بعد قبول الحركة تأجيل موضوع وقف إطلاق النار الكامل للمرحلة الثانية من الاتفاق كما ظلت واشنطن تطالب بذلك، حيث وافقت الحركة على وقف إطلاق نار لمدة ستة أسابيع تشمل إطلاق سراح 40 رهينة مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، شريطة انسحاب الجيش الإسرائيلي من طريقين رئيسيين في غزة وتسمح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى شمال غزة الذي دمره القتال وتسمح بالتدفق الحر للمساعدات إلى المنطقة، قبل بدء المرحلة الثانية التي يفرض فيها وقف دائم لإطلاق النار مع إطلاق سراح الأسرى الجنود، وهو الأمر الذي يرفضه نتنياهو تماما، باعتبار أن ذلك سيكون نصرا لحماس ونهاية لحياته السياسية.

إلا أن مماطلة نتنياهو هذه المرة، وتهربه من توقع اتفاق تبادل الأسرى ووقف الحرب، ستكون في غاية الصعوبة هذه المرة، بعد “المرونة” الكبيرة التي أبدتها حماس، وبعد التحول في الموقف الأمريكي جراء ما سبق وأشرنا إليه، وكذا بعد التصعيد غير المسبوق لأهالي الأسرى الإسرائيليين ضد نتنياهو، وبعد الانقسام غير المسبوق أيضا داخل النخبة السياسية الإسرائيلية، فهل يواصل نتنياهو جنونه الذي سيكون وبالا على دولة الكيان وعلى حلفائها، أم سينصاع هذه المرة لكل تلك الضغوط ويقر بالهزيمة التي توعدته بها المقاومة؟.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top