الأحد 19 مايو 2024

الكيان يعزل غزة ويشرع في “أم المجازر” برفح

غزة

الكيان احتل معبر رفح تمهيدًا لجعل ميناء غزة الأمريكي مركزًا للترانسفير والتهجير القسري

ⓒ أ.ف.ب
  • قبول حماس بمقترح الوسطاء زعزع الكيان وحشره في الزاوية الضيقة
كاتب صحفي

مباشرة بعد إعلان حركة حماس موافقتها على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وانتشار أجواء من البهجة والأمل في أوساط الغزيين أملا في عودة الهدوء، قررت حكومة المتطرفين في تل أبيب بقيادة الإرهابي نتنياهو تنفيذ تهديدها باجتياح رفح المنطقة الفلسطينية الأكثر كثافة سكانية في العالم، والبدء عبر محور فلاديلفيا بين مصر والكيان، وصولا إلى السيطرة على معبر رفح الوحيد الذي يربط القطاع بمصر والعالم العربي والخارج، لتكشف بذلك حماس بعد إعلانها الموافقة على وقف إطلاق النار الحقيقة الكاملة لـ”إسرائيل” المجرمة أمام العالم كله، وبالتالي تحشرها في الزاوية الضيقة ككيان مارق خارج كل القوانين الدولية.

وبعد دخول الدبابات الصهيونية إلى رفح رغم التحذيرات الدولية الواسعة بحصول مجازر مروعة، واحتلالها لمعبر رفح الشريان الرئيس لدخول المساعدات الإنسانية لأكثر من 2.5 مليون فلسطيني محاصر في القطاع، تكون الحرب الظالمة التي شنت على القطاع والتي دخلت شهرها الثامن، قد أخذت منعرجا آخر أكثر خطورة بكثيرة، من شأنها أن لا تعرض فقط الشعب الفلسطيني لحرب فناء وتهجير قسري ستغير خرائط المنطقة بالكامل، وإنما قد تدفع المنطقة برمتها إلى مواجهة أوسع بكثير، لن تقتصر على دخول عناصر المقاومة الإقليمية فقط في المعركة، وإنما ستدخل معها شعوب المنطقة والعالم الحر أيضا في معركة مفتوحة مع الصهيونية العالمية وداعمتها الكبرى أمريكا.

ومن المرجح في حال ما إذا تأكد رفض الكيان المقترح المصري للتهدئة الذي وافقت عليه حماس، وإصراره على مواصلة الحرب، أن تتحقق مخاوف المنظمات الدولية بحصول “أم المجازر” داخل منطقة رفح، بسبب تركز نسبة عالية من السكان والنازحين داخلها، ما يجعل أي قذيفة طائشة في أرض رفح تعني مباشرة وقوع مجزرة، وهو ما يعني أن ما قد يقع في رفح في حال لم يتم استدراك الوضع، ورضوخ الكيان للضغط العالمي الحقيقي سواء بتحرك مجلس الأمن أو تفعيل المحكمة الدولية والمحكمة الجنائية، فإن ما سيقع من مجازر في رفح سينسي العالم المجازر المروعة التي وقعت من قبل في شمال غزة ومنطقة خان يونس وغيرها من مناطق غزة الأخرى التي دخلها سابقا الجيش الصهيوني.

واللافت في هذه التطورات العسكرية الخطيرة، أنها جاءت مباشرة بعد إعلان حماس مساء الاثنين الماضي، عن موافقتها على المقترح المصري القطري بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بضمانات شخصية من الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، ما يعني أن ما يحدث من اجتياح بربري لرفح، هو بتخطيط أمريكي إسرائيلي مسبق، وأن المفاوضات التي جرت كلها في السابق كانت بغرض كسب مزيد من الوقت لا أكثر، وأنه حتى الخلافات التي كان الكيان يروجها داخل مجلس الحرب، حول وجود الصقور اليمينيين والحمائم اليساريين لم تكن سوى ذر للرماد في العيون، بدليل أن مجلس الحرب قد صدّق بالإجماع على عملية رفح، التي تكون قد وقعت بعلم مسبق من المصريين أنفسهم.

الخديعة الكبرى

هذا يعني أننا أمام خديعة كبرى تتعرض لها المقاومة داخل غزة بغرض التصفية، وأن هذه الخديعة متورط فيها الجميع بمن فيهم الأمريكان وبعض الدول العربية المتواطئة في المنطقة إلى جانب الكيان الصهيوني، وأن موافقة حماس في آخر لحظة على المقترح المصري القطري، كانت لإبطال هذا المخطط الشيطاني الذي كان يستهدف إظهار حماس على أنها الطرف “المعطل” والمتعنت والرافض لأي اتفاق، وبالتالي تحميلها مسؤولية الهجوم المبرمج مسبقا على رفح، إلا أن رد حماس الإيجابي وفي الوقت الحساس، أخلط أوراق الصهاينة وحلفائهم، ولم يترك لهم مجالا آخر غير الهروب إلى الأمام نحو “مجزرة رفح”.

ويدخل ضمن الخديعة الكبرى حاليا، الادعاءات الإسرائيلية التي باتت مكشوفة، عن إرسالهم وفدا للقاء الوسطاء ومناقشة مقترح التهدئة، في الوقت الذي دخلت فيه الدبابات الصهيونية رفح واحتلت معبرها الرئيس، بضوء أخضر أمريكي سري، وهو ما يكشف حقيقة الدور الأمريكي الخبيث الذي أصر خلال جميع أطوار المفاوضات على رفض الضمانات الروسية التركية التي طالبت بها حماس، وتشبث بتقديم ضمانة أمريكية “غير موثقة” للوسيطين المصري والقطري فقط، ليسقط الهجوم الإسرائيلي على رفح، رغم موافقة حماس على الاتفاق، أن أمريكا هي رأس الحربة في ضرب غزة ومقاومتها، وأن كل ادعاءاتها برفض الهجوم على رفح في السابق، كان للتمويه والخديعة لا أكثر.

بنود الاتفاق الذي زعزع الصهاينة

ومع انكشاف بنود الاتفاق الذي أعلنت حماس موافقتها عليه، يتضح أسباب السعار الذي أصاب الصهاينة بعد ذلك، ودفعهم إلى الرفض والهجوم على رفح، حيث أن الاتفاق بصيغته النهائية الذي قدمه الوسطاء لوقف إطلاق النار يتضمن 3 مراحل مدتها مجتمعة 124 يوما بحيث تكون المرحلة الأولى 40 يوما والثانية 42 يوما والثالثة 42 يوما، تتوقف خلال المرحلة مؤقتا العمليات العسكرية وتنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية والمعابر بما في ذلك محور نتساريم ويعود السكان النازحون إلى مناطقهم في الشمال، مع دخول المساعدات الإنسانية المكثفة والوقود، وبدء تأهيل وتشغيل المستشفيات والمخابز، مقابل إطلاق حماس 33 محتجزا إسرائيليا من النساء وكبار السن وعدد من المجندات، وإفراج الكيان عن 20 سجينا فلسطينيا تختارهم حماس مقابل كل أسير إسرائيلي، وعن حوالي 40 سجينا فلسطينيا تختارهم حماس مقابل كل مجندة إسرائيلية.

بينما تتضمن المرحبة الثانية الاتفاق على ترتيبات الهدوء المستدام، والاتفاق على تبادل الرجال من الجنود الإسرائيليين مقابل عدد من السجناء يتم الاتفاق على أعدادهم لاحقا، مع انسحاب كامل للجيش من القطاع، والبدء في الترتيبات اللازمة لعملية إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية المدنية، في حين سيتم تبادل جثامين ورفات الموتى عند الجانبين في المرحلة الثالثة، والشروع في تنفيذ خطة إعادة الإعمار لغزة مدتها 5 سنوات.

وواضح من بنود هذا الاتفاق، أن حماس تكون قد حققت انتصارا استراتيجيا كبيرا على الكيان، وأفشلت جميع مخططاته في تحقيق ما يسمى بـ”النصر المطلق”، وأن الكيان الذي يكون قد وافق تكتيكيا على تلك البنود أملا في أن ترفضها حماس ليكون له مبرر في استمرار الحرب، قد فوجئ بقبول حماس للاتفاق الذي لا يتضمن نصا صريحا بوقف شامل وفوري لإطلاق النار، الأمر الذي أحدث لها إرباكا كبيرا، كما أنه فاجأ أمريكا نفسها، على اعتبار أن موافقة حماس على تلك البنود من شأنه أن يخلط أوراق الكيان كلها، خاصة في ظل الحسابات الشخصية لنتنياهو، ووجود قوة يمينية متطرفة هدفها الأول والأخير تدمير غزة واحتلالها بالكامل وتهجير الأهالي، وليس استعادة الأسرى.

الأهداف الخفية للهجوم على رفح

ومع إقدام الكيان على الهجوم على رفح الشريان الرئيس لدخول المساعدات الإنسانية وخروج المرضى من القطاع للعلاج بالخارج، رغم موافقة حماس على مقترح الوسطاء، تكون الخطط الصهيونية القديمة القاضية بتدمير القطاع وجعله مكانا غير قابل للحياة، وتهجير سكان غزة، ما تزال قائمة على الطاولة، وأن حكاية استعادة الأسرى ليست سوى للاستهلاك المحلي وإسكات أهالي الأسرى، والدليل الفاضح هو ذهاب الدبابات الإسرائيلية مباشرة إلى معبر رفح واحتلاله وإغلاقه، باعتباره المتنفس الوحيد للقطاع باتجاه مصر والعالم العربي والعالم كله، وتحويل الحصار إلى عزل بالمطلق للقطاع عن العالم الخارجي.

ومن المرجح ألا تكون المهمة في احتلال معبر رفح، هي الضغط على حماس لتقديم المزيد من التنازلات في المفاوضات المزعومة، وإنما هي لأهداف استراتيجية أخرى أخطر بكثير، تتعلق بقطع القطاع بريا عن العالم، وفتحه بحريا عبر الميناء الأمريكي في ميناء غزة، ليكون ذاك الميناء هو رأس الحربة في عملية “الترانسفير” الكبير للغزيين نحو بلدان أوروبا وأمريكا والعالم كله، بعد أن فشلت خطة تهجيرهم إلى سيناء برا جراء الرفض المصري.

وتظهر ملامح هذه الخطة الخبيثة واضحة للعيان، فبعد احتلال معبر رفح، وقيام القوات المصرية بإغلاقه بخرسانة من الإسمنت، منعا لعبور الغزيين إلى سيناء، بدأ الحديث بشكل لافت عن قرب فتح الميناء الأمريكي الذي خططت له أمريكا منذ عدة أشهر، بدعوى إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، في حين أن مهمته الرئيسة هي تسهيل عملية التهجير عبر البحر، وستكون هذه العملية إما طوعا عبر تقديم إغراءات للغزيين مثل تقديم اللجوء وحتى الجنسية كما شرعت أمريكا في ذلك، أو اللجوء إلى التهجير القسري عبر قصف متواصل وتهديد بالموت، يكون الفلسطينيون عندها مجبرين على قبول المغادرة خوفا من الفناء قتلا وتجويعا.

حماس تحشر الكيان في الزاوية

ورغم هذا المخطط الجهنمي الصهيوني بدعم أمريكي وتواطؤ عربي، إلا أن قبول حماس بالاتفاق المقترح، ورغم الهجوم الواسع على رفح، يضع الكيان في الزاوية محاصرا بدوره أمام الرأي العام الدولي، وأمام جزء كبير من شعبه المطالب بتنفيذ صفقة لإطلاق سراح الأسرى، ما يجعل لعبة عض الأصابع التي تحدثنا عنها سابقا بين نتنياهو والسنوار، قد انتهت عقب رد حماس، بانتصار السنوار بالضربة القاضية، كما أكد ذلك المُستشرق الإسرائيلي آفي يسخاروف في (يديعوت أحرونوت).

ويظهر التكتيك الحمساوي الذي أخلط أوراق اللعبة على إسرائيل، وحشرها في الزاوية، أنها قبلت بتأجيل الإعلان عن انتهاء العدوان حتى بعد إتمام الجزء الأوّل من الصفقة المتضمنة إطلاق سراح المجموعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين، إلا أن إسرائيل مع ذلك تكون مجبرة وفق الاتفاق على وقف إطلاق نارٍ طويل، وهو ما يرفضه نتنياهو بشدة ويضع مخططاته في مهب الريح.

لقد حشرت حماس “إسرائيل” في الزاوية حقا، فهي تكون قد أنهت الحرب منتصرة عمليا بموافقتها على الصفقة، وجعلت الكرة في المرمى الإسرائيلي بطريقة احترافية للغاية، وخاصة في مرمى نتنياهو شخصيا، الذي يعيش حاليا معركة خاصة تتعلق ببقائه في منصبه من عدمه، فقبوله بالاتفاق يعني نهايته السياسية، ورفضه لها يعني مواجهته للعالم كله، بما في ذلك جزء من شعبه الساخط عليه.

ولعل أبرز علامات الورطة الصهيونية، أن مظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين وداعميهم، ارتفعت بشكل واضح منذ إعلان حماس عن موافقتها، لتبدأ أصابع الاتهام تتجه مباشرة هذه المرة ودون أدنى تحفظ نحو حكومة نتنياهو الفاشية باعتبارها هي من تعرقل صفقة تبادل الأسرى، وأن التصعيد المرتقب في هذا الاتجاه سيكون حاسما في تحديد مستقبل نتنياهو وحكومته، خاصة وأن تهديدات أسر الأسرى في الكيان، خرجت بعد سماعهم بهجوم رفح، لتهدد بـ”إحراق البلاد” إذا لم يوافق نتنياهو على الصفقة، ما ينذر بتطورات كبيرة ومخيفة في الأيام القليلة المقبلة، ستكون مصيرية في مصير الصراع في كل الشرق الأوسط.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top