الاثنين 06 مايو 2024

“غدر المخزن”.. حرب الرمال 1963

حرب الرمال

بعد عام ونيف على استقلال الجزائر وهزيمة الاستعمار الفرنسي في جويلية 1962، انصدم الشعب الجزائري بغدر الأشقاء المغاربة فيما سمي "حرب الرمال"

ⓒ حرب الرمال

بعد عام ونيف على استقلال الجزائر وهزيمة الاستعمار الفرنسي ودحره في جويلية 1962، انصدم الشعب الجزائري بـ”غدر الأشقاء المغاربة”، فيما اصطلح على تسميته “حرب الرمال” التي قدمت فيها الجزائر 800 شهيد في أول حرب حفاظًا على وحدتها الترابية.

بينما كانت الجزائر دولة وشعبًا تلملم جراحاتها وتحصي شهداءها وأراملها وأيتامها وينتظر الأبناء آباءهم العائدون من جبهات الشرف والشهادة وغيابات السجون الفرنسية والمنفيين إلى ما وراء البحار علها تكون بلسمًا لجراحاتهم الغائرة والممتدة في مسافة قرن و32 سنة، فاجأهم “المغاربة كنظام حكم” بأطماع استعمارية مزعومة على ولايتي تندوف وبشار.

ففي شهر أكتوبر 1963، بدأ “نظام المخزن” مطالبات للتوسع داخل هذه المناطق، متناسيًا أن الحدود ترسمها وتحددها مقابر الشهداء قبل كل شيء. بل وكأن به يقول للثوار الجزائريين: “اذهبوا وقاتلوا إنا هاهنا قاعدون.. ولما تنتصروا على أعدائكم تعالوا وامنحونا وطنًا وأرضًا جديدة مزينة أطرافها بدماء شهدائكم مجانًا؟”.

تصدير “الفشل الداخلي للمخزن” ضد جزائر الاستقلال

تعتبر مرحلة بداية الستينيات من أكثر المراحل حرجًا في تاريخ المغرب السياسي، خاصة بعد وصول الملك الحسن الثاني إلى السلطة في 26 فيفري 1961، وكان ذلك نتيجة للدور الذي كانت تقوم به المعارضة المغربية والضغوطات السياسية والاقتصادية التي كانت تهدد بقاء واستمرار الملكية المغربية ونظام المخزن، وهذا ما يؤكده “بول بالطا” (المراسل السابق ليومية “لوموند” الفرنسية في الجزائر خلال فترة الرئيس الراحل هواري بومدين) الذي رأى أن حالات اللا استقرار الداخلي قد دفعت الملك الحسن الثاني إلى الدخول في نزاعات مع الدول المجاورة لتعزيز النظام، واستغلال ذلك لقمع الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، كونه كان يخشى من التيار المغربي وتوجهاته الناصرية وعلاقاته مع الجزائر، وما يمثله ذلك من تهديد للعرش الملكي.

لقد كان المغرب يعيش وضعًا اقتصاديًا واجتماعيًا متدهورًا، زادته حدة من الناحية السياسية نتائج الانتخابات التشريعية في 17 ماي 1963، حيث فازت المعارضة بالأغلبية المقدرة بـ56.5 في المائة من مجموع الأصوات، مما يعكس الفشل السياسي للملك والرفض الشعبي لأعضاء حكومته ونظام المخزن، هذا الفشل السياسي ومحاولات الاغتيال وقلب النظام في جويلية 1963 وطرح التيار الثوري لمشاريع اقتصادية هدد المصالح والامتيازات الملكية كل ذلك أفرز وضعًا داخليًا مضطربًا في المغرب أصبحت معه الملكية في خطر. إن السلوك التراعي المغربي اتجاه الجزائر كان:

– فرصة لتحقيق الانسجام الداخلي بالتركيز على المزايدات الوطنية وفكرة العدو.

– قمع المعارضة باتهامها بالخيانة ومحاولة قلب النظام الحاكم.

– الدخول في النزاع مع الجزائر واتهامها بالتآمر لقلب النظام الملكي المغربي.

– تركيز الخطاب المغربي على المزايدات الوطنية، وفكرة المؤامرة والعدو الخارجي، نجحت في إسكات أصوات المطالب الاجتماعية.

بن بركة من منفاه يندد بالاعتداء على الثورة الجزائرية

ومع اندلاع حرب الرمال بين الجزائر والمغرب في 8 أكتوبر 1963، ندد المعارض المغربي مهدي بن بركة من منفاه بالجزائر بالاعتداء على الثورة الجزائرية من طرف الملكية الإقطاعية، وهذا ما أعطى فرصة لنظام المخزن لإيهام الأحزاب السياسية بالخيانة، الأمر الذي ساهم في إضعافها بشكل تدريجي، وهذا يدخل في إطار سعي المغرب للقضاء على كل القوى المعارضة للملكية.

كرونولوجيا تطور “النزاع” إلى “حرب” غير متكافئة وتفوق دبلوماسي جزائري

في 8 أكتوبر قوات الجيش الوطني الشعبي الجزائري تستعيد تينجوب وحاسي بيضة.

في اليوم الموالي المغرب يعلن أن محمية تينجوب وحاسي بيضة وتينفوشي تم الاستيلاء عليها “في هجوم مفاجئ” من طرف القوات الجزائرية، بالنسبة للجزائر القوات المغربية تتقدم في الصحراء منذ شهر سبتمبر لإقامة محميات، وأنها هاجمت كولومب، بشار حاليًا.

وفي 14 أكتوبر، احتلت القوات الملكية المغربية حاسي البيضاء وتنجوب وتدفع بالقوات الجزائرية نحو طريق بشار – تندوف، شكل هذا التدخل للقوات النظامية البداية الفعلية للنزاع. واستولى الجيش الجزائري على إيش موقع مغربي في الصحراء في ما وراء المنطقة المتنازع عليها، وتعتبر خطة لفتح جبهة جديدة لفك الضغط على القوات الجزائرية المهددة في الجنوب، أو بالأحرى الحصول على منطقة يمكن استغلالها في المفاوضات.

وصل الجزائريون إلى حدود فكيك، الجيش المغربي المسير من طرف إدريس بنعمر مجهز جيدًا بتجهيز غربي (كانت فرنسا أكبر بائع الأسلحة إلى المغرب في ذلك الوقت) وممونة على الدوام، أما القوات الجزائرية المسيرة من طرف العقيد هواري بومدين والتي تملك الخبرة في حرب العصابات والاعتماد على هجمات الكر والفر، لكنها سيئة التجهيز والتي تشكلت مؤخرًا من حرب العصابات في صفوف جبهة التحرير الوطني وتلقى تذبذبًا في التموين، فكانت مواجهة غير متكافئة، إلا أن المغرب لم يتمكن من اختراق الجزائر.

الجزائر والزخم الدبلوماسي

اندلعت أكبر معركة في 25 أكتوبر، أُسر حوالي 250 جزائري بالقرب من حاسي البيضاء.

في نهاية الشهر صار للجزائر وضعية دبلوماسية جيدة ولصالحها، لها تأييد كبير بعد حرب الاستقلال وهي مؤيدة وبدرجات مختلفة من طرف المنظمات الإفريقية وبإمكانها المطالبة بمبدأ “الحدود الموروثة” لدعم مطالبها. وبأمر من الملك الحسن الثاني، يتوجه وزير الإعلام عبد الهادي بوطالب، للجزائر لكن مهمته باءت بالفشل.

وفي 15 أكتوبر، قررت الجزائر التعبئة العامة في قدامى محاربي الجيش “جنود جيش التحرير الوطني” أبطال حرب الاستقلال.

وفي 16 أكتوبر، ظهر بن بلة ونوابه على جبهة القتال أثناء جلسة طارئة داعين جميع المحاربين القدامى للانضمام إلى الجيش ومحاربة “العدوان الإمبريالي” المغربي؛ متعهدًا بعدم خلع زيهم الكاكي حتى يكملوا مهمتهم بنجاح ثورتهم الاشتراكية. بعد مناوشات مكثفة على طول الحدود، مع مرور الوقت، أصبح الاشتباك حقيقي واقتتال عنيف حول واحة تندوف وفكيك.

الجيش الجزائري، المتكونة صفوفه من محاربي جيش التحرير الوطني كانت قواته لا تزال غير مؤهلة وموجهة نحو حرب مباشرة، كان قليل المعدات الثقيلة.

رغم ذلك كانوا على استعداد لخوض المعركة عشرات الآلاف من المحاربين القدامى ذوي الخبرة معززين بالقوات المسلحة. علاوة على ذلك، الجيش المغربي كان يمتلك تجهيزًا حديثًا.

تذكرة عودة إلى الحدود الجزائرية المغربية بشهادات أكاديمية

وزيادة على هذا، فقد تحالفت “الشقيقة الخائنة” المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي، حسب ما نقله الأستاذ وليد عبد الحي – الذي شغل سابقًا أستاذًا بجامعة الجزائر كلية العلوم السياسية والإعلام – في إحدى إسهاماته العلمية المنشورة عبر صفحته الخاصة في فيسبوك يقول فيها نقلًا عن شاهد من أهلها: “بدأت علاقات المغرب مع إسرائيل بشكل سري منذ بداية الستينيات من القرن الماضي”، عندما أرسلت إسرائيل للمغرب في أكتوبر عام 1963 طائرات حربية من “طراز مستير” ودبابات من صنع فرنسي عبر صفقة رتبها شاه إيران لمواجهة القوات الجزائرية وقد وردت هذه المعلومات في دراسة بعنوان (Israel and Morocco) التي كتبتها الباحثة الإسرائيلية إينات ليفي عام 2018 في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (Israeli Institute for Régional Foreign Policies)”. وهو تجسيد للفكرة القائلة بـ”أن التاريخ بقدر ما يدفن الحقائق فهو يكشف عن أخرى ولكن بطريقته!!”.

“نهاية حرب” وبقاء شوكة في حلق “الذاكرة البينية”

توقفت معارك حرب الرمال يوم 5 نوفمبر 1963، حيث انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، قامت المنظمة الإفريقية بإرساء اتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار في 20 فيفري 1964 في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي.

وقاد الوساطة الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، بصفته رئيس منظمة الوحدة الإفريقية، ووقّع الاتفاقية كل من الرئيس أحمد بن بلة والملك الحسن الثاني.

ونص الاتفاق على توقيف القتال وتحديد منطقة منزوعة السلاح وتعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياة وسلام هذه المنطقة، وتشكيل لجنة تحكيم لتحديد المسؤولية حول من بدأ العمليات الحربية بين البلدين، ودراسة مشكلة الحدود بينهما وتقديم مقترحات إيجابية للطرفين.

ولكن هذه الحرب ، خلّفت توترًا مزمنًا في العلاقات الجزائرية – المغربية مازالت آثارها موجودة إلى الآن كشوكة في حلق الذاكرة البينية، خاصة من ناحية الجزائريين الذين سيظلون ينظرون إليها قيادة وشعبًا “وصمة خزي” على جبين “نظام المخزن” الذي لم يتورع قيد أنملة عن الإساءة إلى “حق الجيرة”، كما فعل أسلافه مع المجاهد العظيم الأمير عبد القادر.

@ المصدر: الإذاعة الجزائرية + الإخبارية

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top