السبت 27 أبريل 2024

هل تتوقف “حرب التجويع” على غزة في رمضان؟

حرب التجويع

هل يمكن تفادي "المجاعة في رمضان" بغزة في ظل استمرار الصمت والخذلاع العربي والدولي؟

ⓒ الأناضول
  • حديث عن قبول صهيوني بإطار أولي لوقف إطلاق النار في رمضان لا يحقق أدنى شروط المقاومة
كاتب صحفي

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تضاعفت الجهود الدبلوماسية والضغوط من جانب الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إلى جانب الكثير من الأطراف الدولية، لإنجاز صفقة بين حماس والكيان لتبادل الأسرى، لتجنيب القطاع ويلات “حرب التجويع” التي تمارسها “إسرائيل” التي لم تعد تخفي استعمالها الغذاء كسلاح فتاك في حربها ضد المقاومة والشعب الفلسطينيين، الأمر الذي ينذر في حال فشل المفاوضات إلى تحول المجاعة المرتقبة في القطاع في شهر رمضان تحديدا إلى لعنة تصيب العالم أجمع.

وفي التفاصيل الجديدة للصفقة المرتقبة التي كثر الحديث عنها في الأيام الأخيرة، عن قبول الكيان الصهيوني بإطار أولي لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى عقب محادثات جرت في باريس، واستعداده ربما لوقف إطلاق النار في رمضان، استجابة للضغوط الدولية والأمريكية تحديدا، لتمرير هذا الشهر الفضيل دون ارتدادات خطيرة أكثر على سمعة أمريكا والكيان في العالم، وتجنبا لتوسيع دائرة الصراع إلى الضفة والقدس وباقي ساحات محور المقاومة الأخرى.

وما زاد في أهمية هذه التسريبات الجديدة حول قبول صهيوني بإطار أولي لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى قبيل شهر رمضان، هو التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن، أن “إسرائيل” وافقت على وقف الأنشطة العسكرية في رمضان، معربا عن أمله بأن يكون وقف إطلاق النار في غزة بحلول يوم الاثنين المقبل، وهو الأمر الذي فاجأ الكثيرين بمن فيهم الصهاينة أنفسهم الذين عبروا عن ذلك صراحة وفي مقدمتهم مكتب نتنياهو.

تسريبات حديثة عن بنود الصفقة المرتقبة

وبالتوازي مع توالي التسريبات عن بنود الصفقة المرتقبة منذ عدة أيام، تحدثت مصادر متطابقة أنه من بين البنود التي وافقت عليها “إسرائيل” ضمن الإطار الأولي لوقف إطلاق النار في رمضان، قيام الكيان بإطلاق سراح 400 أسير فلسطيني بمن فيهم الأسرى الذين اعتقلتهم بعد الإفراج عنهم في صفقة جلعاد شاليط عام 2011، وذلك مقابل إطلاق حماس 40 أسيرا إسرائيليا من النساء وكبار السن، وكذا القبول بمبدأ عودة النازحين إلى شمال القطاع شريطة استثناء من هم في سن الخدمة العسكرية، خوفا من أن يتحولوا في ما يبدو إلى مقاومين للاحتلال الصهيوني، مع زيادة معتبرة في دخول المساعدات الإنسانية تصل إلى حد 500 شاحنة يوميا، إصلاح المستشفيات والمخابز، ودخول المنازل المؤقت والآليات الثقيلة لإزالة الركام ودمار المنازل، وخروج قوات الاحتلال من المناطق السكنية المكتظة ووقف الاستطلاع الجوي لمدة ثماني ساعات يوميا.

ولا تختلف كثيرا هذه التسريبات الجديدة عن التسريبات السابقة قبل عدة أيام، والتي قيل عنها إنها لم تحظ بموافقة طرفي الأزمة حماس والكيان، إلا أن الحديث الآن عن موافقة “إسرائيل” عن هذه البنود، لا يعني قبول حماس بها، بقدر ما يعني تراجعا شكليا إسرائيليا بسبب الضغوط الأمريكية لتمرير شهر رمضان في هدوء قبل استكمال الهجوم البربري على القطاع بعد ذلك، ومن ملامح التراجع الصهيوني البارز هو النزول عن مبدأ واحد مقابل ثلاثة في تبادل الأسرى الذي تمت به الصفقة الماضية، إلى القبول بمبدأ واحد مقابل 10 من المساجين الفلسطينيين، إضافة إلى القبول الجزئي بعودة النازحين إلى شمال القطاع الذي كان مرفوضا في السابق، وإن كان مشروطا باستثناء الشباب القادر على حمل السلاح من ذلك، والذي تم فيه اشتراط إطلاق سراح جميع الأسرى الصهاينة قبل أن يسمح لشباب الشمال بالعودة إليه، كما أكد ذلك وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت.

حماس ترفض الابتزاز بسلاح الغذاء

في مقابل هذه التسريبات التي تتحدث عن تجاوز الإطار الأولي للمفاوضات، والتي سجلت فيها “إسرائيل” تنازلات شكلية فقط، جاء موقف حماس الذي أدرك أبعاد هذه المراوغة الصهيوأمريكية جيدا، ليعبر عن رفض ضمني للحركة لما يتم نشره عن مسودة باريس المتداولة، معتبرة على لسان القيادي أسامة حمدان، أن ما يتم نشره هو عبارة عن مقترح أمريكي لإنقاذ ماء وجه الكيان، وأن “الأرقام المذكورة “مراوغة” وما نُشر يمثل إعطاء نتنياهو مزيدا من الوقت للتجهيز لهجوم جديد”، وأن الأمر يتعلق بحالة دعائية هدفها ضرب معنويات الشعب الفلسطيني، الذي يطالب بشكل واضح بضرورة وقف العدوان وإنهاء الحصار وإدخال المساعدات ثم التحدث عن تبادل الأسرى.

ويظهر من خلال تعليقات حماس على المسودة الإطار، أن هنالك بالفعل مراوغة مشتركة بين الكيان وأمريكا، لتحقيق هدفين استراتيجيين، أولا إطلاق سراح جزء معتبر من الأسرى الصهاينة في مقابل تنازلات شكلية غير ذات أهمية كبرى، والثانية تمرير موضوع شهر رمضان وإعطاء فرصة للكيان لالتقاط الأنفاس قبل معاودة الهجوم على القطاع وتحديدا في رفح التي يعد لها العدة.

وما يؤكد هذه المراوغة والابتزاز الأمريكي الصهيوني المشترك، هو تعليقات قادة الكيان التي ادعت جميعها أنها تفاجأت من تصريحات بايدن حول تحقيق الهدنة يوم الاثنين المقبل، وأنها غير ملتزمة بذلك، علما أن بايدن الذي يبشرنا بهدنة رمضان خلال أيام فقط، هو الذي يتحدث في الوقت نفسه عن قرب إجلاء عدد معتبر من سكان رفح قبل أن تقوم “إسرائيل” بعملية عسكرية في مدينة رفح للقضاء تماما على وجود حماس.

حرب التجويع وشبح رمضان

المثير في تصريحات بايدن وتسريبات مسودة باريس واشتراطات تل أبيب، هو وجود عامل مشترك كبير وغير أخلاقي يتمثل في استعمال سلاح “التجويع” لفرض شروط تعجيزية على حماس والمقاومة، ودفعها للرضوخ من أجل إنقاذ حياة مئات آلاف الفلسطينيين المحاصرين والمهددين بالموت جوعا خاصة في مناطق الشمال.

وهذا بحد ذاته يعد أمرا مروعا وغير إنساني ويتعارض كلية مع المواثيق الدولية، ومع ذلك تنخرط تل أبيب، بدعم فاضح من واشنطن، في هذه اللعبة الوسخة، ومن دلائل ذلك أن الكيان بدعم أمريكي يريد فقط هدنة مؤقتة قصيرة لتمرير شهر رمضان قبل العودة للقصف والتدمير، بينما كانت حماس تأمل في هدنة مدتها أربعة أشهر ونصف على الأقل ضمن ثلاث مراحل لتبادل الأسرى كما أوضحت ذلك في ورقتها الرسمية، تنتهي بوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار وتبادل كامل للأسرى.

وتبين مع مرور وقت هذه الحرب الظالمة، أن الكيان وخلفه أمريكا، قرر فصل الشمال عن باقي القطاع لإدخاله في مجاعة قاتلة وغير محتملة، عبر منع دخول أي نوع من المساعدات عبر الخط الذي أقامته قرب وادي غزة، لتكون ورقة ضغط رهيبة على المقاومة، كما استخدمت النازحين من شمال القطاع أيضا ورقة ضغط في المفاوضات، وجعلت من عودتهم إلى مناطقهم المدمرة مرتبطا بعودة الأسرى الصهاينة، في حين تحولت قوافل المساعدات لباقي مناطق القطاع في الوسط والجنوب إلى ورقة ابتزاز فاضحة أيضا، للضغط على المقاومة عبر منع دخول المساعدات سواء عبر معبر رفح أو معبر كرم أبو سالم أو أي معبر آخر حتى بعد تدخل المنظمات الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بتمكين المساعدات من الدخول، وحتى بعد قرار محكمة العدل الدولية التي طالبت في إجراءاتها الاستعجالية السلطات الصهيونية بمنع إجراءات الإبادة الجماعية، فكان الرد الصهيوني إلى جانب قتل آلاف الفلسطينيين عقب تلك القرارات الدولية، تقليص نسبة المساعدات الداخلة للقطاع إلى أكثر من النصف.

وهذا يعني أن الكيان وأمريكا تجاوزا بشكل فاضح “المعايير العسكرية” لممارسة الضغوط على الطرف الآخر، حتى وإن كان استعمال القوة العسكرية بالنسبة لدولة محتلة ضد شعب محتل هو في حد ذاته جريمة، إلى استعمال سلاح الغذاء والماء والدواء في حرب تجويع غير مسبوقة، من أجل الحصول على مكاسب سياسية عجز عنها بالوسائل العسكرية في الميدان، وقد عبر نتنياهو وقادة الكيان صراحة عن ذلك بأنهم لن يقبلوا بدخول المساعدات الإنسانية قبل أن تتنازل حماس عن شروطها التي وصفها نتنياهو بأنها “غريبة” ومن “كوكب آخر”.

لقد أدركت حماس أن إنجازاتها العسكرية في الأشهر الخمسة الماضية من العدوان، بما في ذلك نصر السابع من أكتوبر، يراد له أن ينتهي بسلاح الغذاء والماء والدواء الذي أشهرته “إسرائيل” منذ اللحظات الأولى من العدوان من خلال تصريح غالانت الشهير عن “الحيوانات البشرية”، ولذلك فهي تصر ويجب عليها أن تصر وتثبت على أن لا يتم ربط “حرب التجويع” البشعة هذه بأي قضية تتعلق بالمفاوضات أو إيجاد الحلول للقضية الفلسطينية كما قال إسماعيل هنية.

ومن الواضح أن الأيام القليلة المقبلة التي تفصلنا عن شهر رمضان، ستكون مفصلية في نجاح الصفقة المقترحة من عدمه، في ظل حسابات معقدة للغاية تتلخص بالنسبة لقوى الشر العالمية في الالتفاف على قدسية هذا الشهر عند المسلمين قبل استكمال المجزرة بعده، بينما ستكون الأنظمة العربية والمسلمة في وضع لا تحسد عليه إذا جاء الشهر العظيم وشعب عربي تقتله المجاعة والعطش إلى جانب القصف والتدمير، بينما تقف المقاومة بقيادة حماس بين خيارات مرة، تتعلق بواجبها في حماية القضية الفلسطينية من مخطط التصفية لو تنازلت وتركت ورقة الأسرى التي بيدها، وواجبها أيضا بمنع إبادة شعبها بسلاح التجويع في أقدس شهور الإسلام، في ظل خذلان عربي وإسلامي وعالمي ليس له مثيل في التاريخ.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top