الجمعة 26 أبريل 2024

هكذا بدأت “المسيرة الكحلاء” في الصحراء الغربية

المسيرة الكحلاء

في الوقت الذي احتفل فيه المغرب، بالذكرى السابعة والأربعين لما يسمى بـ"المسيرة الخضراء"، (والتي هي في الحقيقة المسيرة السوداء أو الكحلاء كما

ⓒ المسيرة الكحلاء
كاتب صحفي

في الوقت الذي احتفل فيه المغرب، بقيادة المخزن الملكي الحاكم، بالذكرى السابعة والأربعين لما يسمى بـ”المسيرة الخضراء” في 6 نوفمبر الجاري، (والتي هي في الحقيقة المسيرة السوداء أو الكحلاء كما يسميها البعض عندنا)، تكشفت حقائق جديدة كانت إلى حد بعيد مغيبة أو مخفية عن صفحات التاريخ، حول حقيقة الخيانة الإسبانية الأولى في الصحراء الغربية، وعن حقيقة هذه “المسيرة الكحلاء” التي يتغنى بها للأسف اليوم المغاربة، باعتبارها مسيرة للتحرير، وهي في الواقع مسيرة احتلال وغزو وتدمير وتشريد لشعب أعزل آخر.

وبحسب ما كشفته صحيفة “الصحراوي” الناطقة بالإسبانية، فإن وثائق غاية في الأهمية، رفعت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “السي آي أيه”، أن ما يسمى بـ”المسيرة الخضراء”، ليست فكرة من إبداع الملك المغربي الحسن الثاني كما يزعم المغاربة اليوم، وإنما فكرة ومؤامرة دولية اشتركت فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبعض دول الخليج، وأنه قد تم تنفيذها بفضل العلاقات التي كانت تجمع الحسن الثاني بهنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي في منتصف السبعينيات.

وأوضح المصدر أن وزارة الخارجية الأمريكية شرعت في تنفيذ هذه المؤامرة الكبرى، بداية من 21 أوت سنة 1975، باعتباره مشروعا استراتيجيا لوكالة المخابرات المركزية، وبتمويل خليجي، بغرض السيطرة على أراضي الصحراء الغربية (حوالي 270 ألف كيلومتر مربع)، والتي كانت تحتلها آنذاك إسبانيا، نظرا لموقعها الاستراتيجي، وكذا للثروات المعدنية والطبيعية التي تزخر بها، خاصة من الفوسفات والحديد والغاز والنفط، وهي مقومات دفعت أمريكا إلى انتزاعها من إسبانيا التي كانت تحت حكم نظام فرانكو المناوئ.

الخطة الجهنمية.. هكذا بدأت المسيرة الكحلاء

وتقول الوثائق المسربة، التي تحمل اسم “الصحراء الإسبانية”، أن الخطة التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لإفقاد نظام فرانكو السيطرة على الصحراء الغربية، هو دفع المغرب للقيام بمسيرة قوامها 300 ألف مواطن مدني مغربي، عبر الادعاء بأنهم سكان سابقون لتلك الأراضي، وهو الأمر الذي تنبهت له في حينه (6 أكتوبر 1975) أجهزة الاستخبارات الإسبانية التابعة لفرانكو، إلا أن مرض هذا الأخير وعجزه عن القيام بوظائف الحكم، جعله غير قادر على التحرك.

وبينما كان العالم كله يستقبل قرار محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة التي رفضت فيها جملة وتفصيلا ادعاءات المخزن بتبعية الصحراء الغربية له، أعلن الملك الحسن الثاني في 16 أكتوبر 1975 ودون أدنى خجل أو وجل، عن البدء في مسيرة شعبية لاحتلال أراضي أخرى، مدعوما بالسند الأمريكي والمال الخليجي والعجز الإسباني الذي ازداد في مواجهة الخطة الجهنمية، على الرغم من محاولات يائسة قادها رئيس الحكومة الإسبانية، أرياس نافار، في الأيام الأخيرة لفرانكو.

وهذا ففي 26 أكتوبر 1975 بدأت التحضيرات الفعلية والعملية لانطلاق المسيرة بداية من داخل الأراضي المغربية، عبر إعلان حالة من التعبئة لحشد المشاركين، يقودها خبراء من أمريكا الشمالية، قبل أن يصعد الملك الإسباني الجديد خوان كارلوس سدة الحكم في 31 أكتوبر 1975، بعد أن رفض تولي الحكم قبل أسبوع من ذلك بسبب الأوضاع الخطيرة في الصحراء الغربية.

وبدأت القوافل الأولى من المسيرة تدخل أراضي الصحراء الغربية في 30 أكتوبر أي قبل حوالي أسبوع من الانطلاق الرسمي لها في 6 نوفمبر بغرض عرقلة أي تدخل محتمل للجزائر ضد هذا الغزو.

خيانة خوان كارلوس وبيع الأرض مقابل العرش

بعد تولي خوان كارلوس زمام الحكم في إسبانيا، أرسل مساعده الأقرب مانويل برادو إلى الولايات المتحدة لطلب مساعدة هنري كيسنجر في الورطة التي وجدت إسبانيا نفسها فيها، وبعد سلسلة من الاتصالات والمفاوضات السرية بين إسبانيا والولايات المتحدة، تم التوقيع على اتفاق سري يقضي بتخلي الملك خوان كارلوس عن الصحراء الغربية مقابل الدعم الأمريكي الكامل له في الحكم على عرش إسبانيا.

وتكشفت الخيانة الإسبانية التي جسدها خوان كارلوس وقتها، في أثناء الزيارة المفاجئة التي قام بها الملك الإسباني في 2 نوفمبر 1975 إلى الأراضي الصحراوية، أي بعد يومين فقط من توليه العرش، وهناك لعب دور الداعم للجيش الإسباني المتمركز حينها في العيون وغيرها من المدن الصحراوية قائلا “إن إسبانيا لن تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، وستفي بالتزاماتها، وستحترم حق الصحراويين في أن يكونوا أحرارا”، بينما في الواقع كان التنسيق الإسباني الأمريكي على أعلى مستوى لتسليم الأرض للمغرب الذي عقد صفقته بدوره مع الأمريكان والإسبان في سرية تامة.

لقد دخل المغاربة ولم يتحرك عسكري إسباني واحد ليضغط على الزناد، لقد كانت الأوامر واضحة، دعوهم يدخلون. بينما كان خطاب الملك المغربي أثناءها يجلجل للمشاركين في المسيرة “إذا وجدتم في طريقكم جنديا إسبانيا فأعطوه الورود وأكرموه وأدخلوه إلى بيوتكم، وإن لاقيتم صحراويا فاقتلوه”.

وهكذا تم اجتياح الأراضي الصحراوية من قبل المستوطنين المغاربة في 6 نوفمبر 1975 تحت مسمى المسيرة الخضراء، بموجب الاتفاقية السرية – الخيانة العظمى – بين الحسن الثاني وهنري كيسنجر وخوان كارلوس، قبل أن يعلن الملك المغربي في 9 نوفمبر، أن جميع أهدافه في الصحراء قد تحققت. وهنا يأتي الرد الجزائري الحازم، بأنها ترفض هذا الأمر الواقع على حساب كفاح شعب مستضعف، وتقرر فورا سحب سفيرها من الرباط، بينما قرر الشعب الصحراوي الذي تم تهجيره بالقوة خوض الكفاح المسلح لتحرير أرضه.

YouTube video

مؤتمر مدريد وتقسيم الصحراء مع موريتانيا

وبموجب هذا الاجتياح الذي أدت إليه المسيرة الكحلاء، انطلق في مدريد ما يسمى بمؤتمر مدريد في 12 نوفمبر 1975، بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، ولكن بإدارة وسيطرة في الظل للولايات المتحدة التي طبخت اللعبة من أولها لآخرها.

وبعد يومين من المناقشات والمفاوضات، تم إصدار إعلان مدريد الشهير حول الصحراء في 14 نوفمبر 1975، تم بموجبه منح الإقليم الشمالي الغني بالمعادن الساقية الحمراء (حوالي 200 ألف كلم متر) للمغرب، بينما تم منح الجزء الجنوبي من الصحراء وهو الجزء الأكثر فقرا (حوالي 70 ألف كلم متر) لموريتانيا، قبل أن تنسحب منه فيما بعد تحت وقع ضربات البوليزاريو وتسيطر عليه المغرب هو أيضا.

واستمرت اتفاقية مدريد الثلاثية حتى 26 فيفري 1976، عندما تخلت إسبانيا رسميا عن الصحراويين، لينتقل الصحراويون من الاحتلال الإسباني إلى الحكم العسكري المغربي، ويواجهوا بعدها عمليات إبادة واسعة ولولا أن كثيرين منهم هربوا إلى الجزائر لكانت الإبادة تكون أكثر فظاعة.

يذكر، أن الخيانة الإسبانية الثانية، جسدها في مارس الماضي رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، عندما أعلن اعترافه بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية مع بقاء الإقليم المتنازع عليه تحت السيادة المغربية، وهو ما دفع بالجزائر مجددا إلى سحب سفيرها من مدريد، وتسليط عقوبات اقتصادية عليها.

YouTube video

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top