الأحد 28 أبريل 2024

ما حقيقة “هدنة رمضان” في غزة؟

هدنة رمضان

تسريبات تتحدث عن هدنة من 40 يومًا لقاء إطلاق سراح 40 إسرائيليًا ومئات الفلسطينيين مع إدخال المساعدات

ⓒ أ.ف.ب
  • عقبات وألغام هائلة في وجه تحقيق الهدنة في مقدمتها حكومة نتنياهو المتطرفة
كاتب صحفي

تزايدت بشكل لافت في الأيام القليلة الماضية، التسريبات المتعلقة باقتراب التوصل إلى صفقة جديدة بين حماس والكيان الصهيوني، في ما يمكن تسميتها بـ”هدنة رمضان”، في ظل تصاعد المخاوف المشتركة بين الأطراف على حياة الأسرى الصهاينة من جهة، والخوف الكبير من وقوع كارثة إنسانية هائلة في قطاع غزة من جهة أخرى، بسبب تفشي المجاعة بين سكان القطاع مع اقتراب شهر رمضان الذي بات يشكل حالة من الرعب داخل الكيان وحتى داخل الإدارة الأمريكية أيضا.

وجاء الحديث عن “هدنة رمضان” المقترحة، بعد المؤتمر الذي عقد الجمعة في باريس، بين ممثلي كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر إلى جانب الكيان الصهيوني، لتجديد مباحثات باريس التي فشلت في جولتها الأولى بعد التعنت الصهيوني، والشروط العالية التي طرحتها حماس لاستكمال الصفقة، وهذا بعد حدوث اختراقات معينة في المواقف بين الطرفين الإسرائيلي والحمساوي كما تشير إلى ذلك المصادر الإسرائيلية دون غيرها، وتصاعد الضغوط الأمريكية على الجانب الصهيوني للدخول في وقف إطلاق نار مؤقت بالتزامن مع قدوم شهر رمضان، تفاديا لاستفزاز مشاعر ملياري مسلم في هذا الشهر الفضيل، والذي من شأنه في حال استمرار القتال والحصار والتجويع على القطاع، أن يؤدي إلى توسيع دائرة الحرب وعدم التحكم في تداعياتها.

وتنفرد الجهات الإسرائيلية الداعمة لتوقيع الصفقة، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية والجيش وقيادات بارزة من داخل مجلس الحرب نفسه، من أمثال غانتس وأيزنكوت، بالأنباء المتفائلة حول تقدم المفاوضات وحصول توافق على مبادئ عامة للصفقة الجديدة، تمهيدا للدخول في تفاصيل الصفقة، في حين تبدو نوايا نتنياهو الواقع في أحضان اليمين الصهيوني المتطرف، غير واضحة بل و”ماكرة” إلى حد بعيد، خاصة بالنظر إلى طبيعة الوفد الأمني منخفض التمثيل الذي أرسله بعد لقاء باريس إلى الدوحة لمواصلة الاتصالات حول الصفقة المقترحة، وقيام نتنياهو بإعلان خطته لليوم الموالي في القطاع بعد انتهاء الحرب، والتي ركزت على الاحتلال الكامل للقطاع، ما قد ينبئ بإمكانية تكرار سيناريو القاهرة الذي حضر فيه وفد الكيان المفاوضات في شكل لجنة “للصم البكم”، دون تقديم أي اقتراحات، تمهيدا لإفشال الصفقة.

تفاصيل “هدنة رمضان” المقترحة

وتتوافق التسريبات التي ظهرت لحد الآن حول “هدنة رمضان” في “وثيقة المبادئ” العامة التي تكون الأطراف قد صاغتها في اجتماع باريس الثاني الذي عقد الجمعة الماضية، حول قضايا رئيسة تتعلق بقائمة الأسرى وآلية التبادل وعدد أيام الهدنة، والمساعدات الإنسانية التي سيتم تقديمها لأهل غزة خاصة في شمال القطاع الذي يعاني المجاعة.

وتشير بعض بنود الصفقة المتداولة إلى قيام حماس في المرحلة الأولى من الصفقة المتعلقة بشهر رمضان، بإطلاق سراح حوالي 40 أسيرا إسرائيليا من فئة النساء والمسنين والمرضى، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، قد تكون على قاعدة أسير إسرائيلي واحد مقابل عشرة من الفلسطينيين أو أكثر، وأن عدد الأسرى الفلسطينيين سيكون أكبر في حال التبادل مقابل المجندات الإسرائيليات، مع التوافق على تحرير المساجين الفلسطينيين من ذوي المحكوميات العالية.

وتقضي الصفقة المقترحة أن كل أسير إسرائيلي يتم الإفراج عنه يقابله يوم هدنة، ما يجعل من أيام الهدنة في حدود 40 يوما، وهي مرحلة أولى فقط ستعقبها مرحلتان أخريان في حال تم الاتفاق عليها في ما بعد.

وضمن الاتفاق أيضا، قبول إسرائيلي مبدئي بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع مع إمكانية عودة السكان إلى شماله.

وتتوافق كل من “إسرائيل” وحماس، على أن تكون صفقة التبادل على مراحل، لحسابات تخصهما معا، فالكيان لا يريد أن يبتلع الهزيمة دفعة واحدة، لأن ذلك من شأنه أن يسقط حكومة نتنياهو اليمينية، خاصة مع صور خروج مئات المساجين الفلسطينيين بإشارات النصر، في حين تريد حماس أن تحتفظ بأوراق لديها إلى غاية الوصول إلى مفاوضات وقف إطلاق النار النهائي، أو ما يضمن وقف العدوان قبل استكمال الصفقة وإطلاق جميع الأسرى، الأمر الذي يجعل من تنفيذ المرحلة الأولى التي تتوافق مع قدوم شهر رمضان بخصوصيته الدينية الكبيرة، مطلب جميع الأطراف وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تضغط بشدة في هذا الاتجاه.

عقبات وألغام في الطريق

إلا أن الصفقة المنتظرة، تواجهها في المقابل عراقيل كبرى في ظل خلافات جوهرية ما تزال قائمة، خاصة في ما يتعلق بعدد من المطالب الرئيسة لحماس، ترفض “إسرائيل” تلبيتها بشكل قاطع، ويتعلق الأمر بمطلب عودة جميع سكان شمال القطاع إلى بيوتهم، والذي ما زالت إسرائيل ترفضه خاصة مع تعبيد طريق فاصل في وادي غزة يعزل الشمال عن باقي القطاع، ومطلب إجلاء جميع قوات الجيش الإسرائيلي من هذه المنطقة، الذي تخشاه إسرائيل أيضا على اعتبار أن قبوله يعني مباشرة عودة حماس للسيطرة عليه مجددا، حتى وإن كانت سيطرة حماس على الشمال ما تزال قائمة باعتراف الكيان الذي قدر أن عدد قوات حماس الذين ما زالوا في الشمال ليس أقل من 5 آلاف مقاتل.

كما توجد خلافات أيضا في التفاصيل حول قضايا تم الاتفاق عليها بشكل عام، ويتعلق الأمر بكميات المساعدات الإنسانية التي ستدخل القطاع، ومدة وقف إطلاق النار، وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وهي قضايا تركت لمفاوضات الدوحة التي يتوجب على الأطراف إيجاد حلول لها في أقرب وقت.

إلا أن الخلاف الجوهري والرئيس هو بلا شك موضوع وقف إطلاق النار الشامل والدائم، وإنهاء العدوان على القطاع، حيث تصر عليه حماس بقوة وترفضه “إسرائيل” في المقابل أيضا بقوة، وهي النقطة التي قد تهدد المراحل المقبلة من الاتفاق في حال نجاح المرحلة الأولى، ورغم التنازل الذي قدمته حماس بضرورة وقف إطلاق النار قبل أي مفاوضات، إلا أنها تصر بأن تشمل المفاوضات والمحادثات في المراحل المقبلة ضمانات للوصول إلى هذا الهدف، بينما يصر الكيان على رفض تقديم أي ضمانات لذلك، بل ويصر قادته بداية من نتنياهو وغالانت وحتى غانتس وصولا إلى قائد الجيش هرتسي هاليفي على أن الضغط العسكري وحده القادر على إجبار حماس في المفاوضات على إطلاق سراح الأسرى، وهو ما قد يهدد بعودة الأمور إلى نقطة الصفر مجددا حتى وإن نجحت “هدنة رمضان” المقترحة.

حالة من التشكيك والتوجس

وأمام هذه العقبات الكبيرة، يصبح نجاح المساعي الدبلوماسية والوساطة القائمة لتحقيق أي شكل من أشكال الصفقة، صعبا ومعقدا للغاية رغم حالة التفاؤل التي تسعى بعض الجهات داخل الكيان لترويحها، خاصة في ظل حسابات حكومة نتنياهو المتطرفة التي تسعى بكل جهد لتحقيق النصر المفقود، أو تحقيق النصر الحاسم في القضاء على حماس والسيطرة على القطاع، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية، وإحداث رجة إنسانية تاريخية في الوعي العام الفلسطيني بحيث لن يكون قادرا مستقبلا على الثورة أو المطالبة بحقوقه بعد أن مارس ضده كل أشكال الإبادة الجماعية بما فيها استعمال سلاح التجويع الفتاك.

كما يلعب وقوع نتنياهو أسيرا بين الوزيرين الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان بن غفير وسموتريتش، دورا مركزيا في إمكانية فشل كل المحاولات، لكون اليمين المتطرف أعلن صراحة أنه ضد الصفقة وضد استعادة الأسرى بأي ثمن، وأن أي اتجاه نحو توقيع الصفقة بالشكل الذي لا يرضيهم يعني حل الحكومة، وهو ما يخشاه نتنياهو كثيرا.

وما يؤكد هذه المخاوف والشكوك، عودة التهديدات الصهيونية باجتياح رفح بالتزامن مع الحديث عن لقاء باريس و”هدنة رمضان”، إلى جانب إعلانه عن خطته “الوحشية” لليوم التالي من الحرب.

وقد عبرت حركة حماس عن تلك الشكوك والمخاوف بالضبط، عندما شككت في الأنباء التي تتحدث عن قرب التوصل لاتفاق بشأن صفقة تبادل الأسرى، رغم تعامل الحركة بإيجابية مع الوسطاء لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، وأن تلك الأنباء “لا تعبر عن الحقيقة”، مؤكده عن النوايا الخبيثة لنتنياهو الرافض لوقف العدوان أو الانسحاب التام من القطاع أو حتى لعودة النازحين إلى شمال القطاع، مشيرة إلى الحالة الكارثية التي يتعرض لها شعب غزة خاصة في الشمال بسبب التجويع الممارس ضده، وهي الممارسة التي قد تهدد المفاوضات برمتها.

ليست نهاية الحرب

وحتى في حال نجح الوسطاء في إحقاق “هدنة رمضان”، باعتبارها المرحلة الأولى من صفقة شاملة ستستكمل لاحقا بالتفاوض أيضا، إلا أن ذلك لا يعني، على ما يبدو، نهاية هذه الحرب العدوانية على قطاع غزة وأهله المحاصرين، حيث في حال نجاح الهدنة، لن تكون سوى “استراحة” قصيرة، قبل أن تكون الحرب مجددا بعدها كما أكد قادة الكيان جميعهم.

وتشكل الخطط المعلنة لاجتياح رفح المكتظة بالسكان النازحين، أكبر دليل على أن الحرب والعدوان لن يتوقف حتى بعد نجاح هدنة رمضان، حيث أكد نتنياهو بعد مفاوضات باريس مباشرة أنه سيجمع مجلس الوزراء للموافقة على الخطط العملياتية في رفح بما في ذلك إجلاء السكان المدنيين، وذلك بالتنسيق مع الجانب المصري الذي لا يبدو أنه قادر على كبح جماح الكيان في مخططاته الإرهابية المعلنة.

الرعب من شهر رمضان

وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في موضوع الهجوم على رفح من عدمه، فإن تصاعد الحديث بهذا الشكل عن “هدنة رمضان”، لم يكن ليحصل لولا أن أطرافا كثيرة في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، استشعرت خطورة استمرار الكيان في جرائمه وحصاره اللاإنساني إلى حد المجاعة في شهر رمضان، ما قد يؤلب الرأي العام الإسلامي بشكل غير مسبوق على الكيان والدولة الداعمة أمريكا، وقد تتوسع جبهات الحرب المفتوحة الآن في لبنان واليمن والعراق وسوريا، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وهو ما لا تريده واشنطن بأي ثمن.

كما من شأن الإجراءات الإسرائيلية بمنع الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، أن تزيد من اشتعال الأوضاع خاصة في الضفة الغربية والقدس وحتى مع عرب الداخل الإسرائيلي المعنيين بقرارات المنع، الأمر الذي يدفع بواشنطن للضغط ليس فقط ناحية إيجاد هدنة إنسانية مؤقتة في هذا الشهر الفضيل، وإنما إلى تخفيف الإجراءات البوليسية حول المسجد الأقصى ضمن الاتفاق المرتقب، خاصة وأن ذلك يعد من جوهر المطالب التي قدمتها حماس لقبول التوقيع على اتفاق تبادل الأسرى.

وسيكون على قرارات مجلس الحرب الصهيوني حول المضي في هذه الهدنة أو تجاوزها واستمرار القتال في الشهر الفضيل، تداعيات خطيرة للغاية، سواء من ناحية تخفيف المعاناة الإنسانية وتفادي أكبر كارثة إنسانية بموت آلاف الفلسطينيين جوعا بعد أن ماتوا قصفا، بكل ما يعنيه ذلك من متابعات قضائية للكيان بتهمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تطارده في كل مكان، أو التخفيف من وطأة المأساة ولو مؤقتا، في انتظار مخططات ما بعد رمضان التي ستكون بالتأكيد صعبة ومعقدة ومصيرية أيضا.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top