الأربعاء 24 أبريل 2024

نحو مغرب عربي دون المخزن المطبّع

مغرب عربي

التكتل الجديد بات حتميًا لتجاوز الطرف "المعطل" للاتحاد المغاربي "الميت"

ⓒ رئاسة الجمهورية
  • الجزائر ترد على مشاريع "التطويق" ومحاولات عزلها في المنطقة
كاتب صحفي

تتجه الجزائر بخطى ثابتة، نحو بناء مغرب عربي جديد على غرار حلمها القديم “مغرب الشعوب”، حتى ولو تطلب الأمر التخلي عن بعض مكوناته القديمة التي انخرطت في مسلسل الخيانة والتطبيع، بعدما تبين أن انتظار عودة الحياة لهياكل اتحاد المغرب العربي بصيغته الأولى، بات مستحيلا، ومن شأنه أن يضيع عنها فرصا ثمينة للتكامل الأمني والاقتصادي ضمن أطر أخرى، تضمن فيه الجزائر مصالحها الاستراتيجية وتفشل من خلالها محاولات التطويق التي تمارسها القوى المعادية.

ويشكل الاجتماع التشاوري الأول، الذي ينعقد هذا الاثنين، على مستوى الرؤساء لدول الجزائر وتونس وليبيا، محاولة جادة للتخلص من الهيكلية التقليدية للاتحاد المغاربي الذي ورغم مرور 35 سنة على إنشائه، لم يقدم شيئا لشعوب المنطقة، وبالتالي فقد وصلت الجزائر إلى جانب أشقائها في تونس وليبيا، في انتظار التحاق الشقيقة موريتانيا، إلى قناعة بضرورة البحث عن بديل موضوعي للهيكل “الميت”، الذي لعب فيه نظام المخزن دورا رئيسا في تدميره من الداخل، من خلال مؤامراته وارتباطاته بقوى أجنبية معادية للمنطقة ومصالح شعوبها.

ورغم أن فكرة بناء مغرب عربي جديد من دون المغرب المطبع، قد ظهرت منذ مدة طويلة نسبيا، إلا أن تبلورها في هذا الشكل “الثلاثي” في انتظار أن يتحول إلى تكتل موسع، يضم إلى جانب موريتانيا الشقيقة، دولا أخرى من الجوار، على غرار مصر وربما إيطاليا أيضا، وبالتالي سيأخذ التجمع أو التكتل الجديد طابعا أوسع من الدائرة المغاربية، كان على هامش قمة الغاز التي عقدت شهر مارس الماضي بالجزائر، والتي يبدو أنها أسست لمثل هذه اللقاءات التشاورية الدورية بين قادة الدول الشقيقة الثلاث، بغرض تكثيف الجهود لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية الهائلة التي تنتظر المنطقة، دون انتظار مزيد من الوقت لإحياء هيكل بات “بلا روح” كما يصفه المسؤولون الجزائريون، خاصة بعد قرار الجزائر بقطع علاقاتها بنظام المخزن العام 2020، الذي تجاوز دائرة الخلافات الثنائية التقليدية بين المغرب والجزائر، حول القضايا الكلاسيكية كالحدود وموضوع الصحراء، إلى التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، وجلب عدو الأمة إلى منطقة المغرب العربي.

ولا تعد الإشارة التي لمح إليها الرئيس تبون، من كون “التكتل الجديد مفتوح لدول المنطقة بما في ذلك لجيراننا في الغرب” في إشارة إلى المغرب، إلا محاولة أخيرة من الجزائر لدفع هذا النظام لتغيير سياسته وتوجهاته المعادية للمنطقة ومصالحها، حتى يمكنه الالتحاق بهذا الركب المغاربي الجديد والمتجدد، وبالتالي فهو ليس دعوة مجانية من الجزائر لاختراق هذا التكتل من جديد، وإعادة الأطروحات المخزنية نفسها داخله.

هل تلتحق موريتانيا بالتكتل؟

ويبقى السؤال الكبير الآن، في ظل قبول الدول المغاربية الثلاث بالفكرة، والتزامهم بالدفع بها قدما نحو التجسيد، هو هل ستقدم نواقشط الدولة المغاربية الرابعة على الالتحاق بهذا التكتل، أم أنها بحكم موقعها الجغرافي الحساس بين الجزائر والمغرب، وموقفها الحيادي من قضية الصحراء الغربية، ستفضل البقاء على الحياد، وعدم الانضمام إلى التكتل المغاربي الجديد تماما كما رفضت الانضمام لمشروع المبادرة الأطلسية التي قادها المغرب؟.

وتتفهم الجزائر جيدا الموقف الموريتاني المتحفظ لحد الآن، وتدرك أن وضع نواقشط أكثر تعقيدا من أوضاع طرابلس وتونس في هذا السياق، وبالتالي تأتي الاتصالات المكثفة التي لوحظت في المدة الأخيرة بين الرئيسين تبون وولد الشيخ الغزواني، والتي تتعلق في جانب كبير منها، بقضية الاتحاد المغاربي الثلاثي الجديد، ضمن سياق إعطاء الفرصة كاملة لموريتانيا للتفكير جيدا، وأخذ كامل احتياطاتها قبل اتخاذ أي قرار قد يؤثر على موقعها الحساس كدولة غير منخرطة في المواجهات الإقليمية، إلا أنه مع ذلك، تؤشر الاتصالات المكثفة بالجانبين الجزائري والموريتاني حول هذا المضوع تحديدا، وإصرار الجانب الجزائري على إطلاع الجانب الموريتاني على كل التفاصيل المتعلقة بالتكتل الجديد، أن موريتانيا مهتمة بالتكتل، لكنها تنتظر الوقت المناسب فقط لإعلان موقفها الداعم للمشروع، خاصة وأن مؤشرات كثيرة تم تسجيلها ضمن هذا السياق خاصة خلال ما جرى بين الرئيسين الجزائري والموريتاني في أثناء إشرافهما على انطلاق مشروع طريق بري يربط بين تندوف والزويرات الموريتانية، وتدشين المنطقة التجارية الحرة بين البلدين.

لماذا مغرب عربي جديد؟

وتتزايد الحاجة لبناء تكتل مغاربي جديد، في ظل فقدان الاتحاد المغاربي القديم القدرة على الحركة، لأسباب موضوعية كثيرة، بينها أن مرور حوالي 30 سنة من آخر قمة عقدت للاتحاد المغاربي سنة 1994، وهي مدة زمنية طويلة جدا، استهلكت كثيرا من مقدرات المنطقة وجعلتها تتخلف كثيرا عن الركب العالمي في ظل وجود تكتلات اقتصادية وسياسية قوية مناوئة ومنافسة، تفرض البحث عن بدائل أخرى بحكم الواقع لا الاختيار.

كما تتضح رغبة الدول الثلاث، وعلى رأسها الجزائر، في توسعة هذا التكتل الجديد خاصة بالنسبة للشقيقة موريتانيا، من خلال الإشارات الأخرى التي أوضحها الرئيس تبون عن كون هذا التكتل سيكون نواة لـ”إحياء العمل المغاربي المشترك وتنسيق العمل من أجل توحيد كلمة هذه الدول حول العديد من القضايا الدولية”، ما يؤكد أن الفكرة “المغاربية” ما زالت تؤطر هذا التكتل، إلا أن ذلك لن يكون بأي ثمن، ولا من خلال التخلي عن الأهداف والمبادئ الحقيقية التي أنشئ عليها الاتحاد المغاربي، وقام المخزن بالتعدي عليها عبر العديد من الخيارات الخطيرة، التي تهدد الأمن القومي المغاربي كله.

وعليه، فقد ازدادت الحاجة لتكتل مغاربي جديد، مع حاجة المنطقة إلى تكتلات اقتصادية تجعلها قادرة على مخاطبة التكتلات الأخرى من موقع قوة مثل الاتحاد الأوربي، بدل التعامل المنفرد لدول المنطقة الذي يفقدهم قوة التأثير والنفوذ، كما تلعب الأسباب الأمنية المتصاعدة في ظل انتشار الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وانعدام الأمن في دول الجوار المغاربي، دورا رئيسا في الدفع بقوة نحو “تغيير الوجهة القديمة”، علاوة على تصاعد المخاطر المتعلقة بالمؤامرات القذرة التي تقوم بها بعض القوى المعادية في المنطقة، مع اتضاح الصورة بشكل كامل حول توجهات المخزن التآمرية، التي لم تتوقف عند حدود الطمع في الأراضي الجزائرية والصحراوية، بل تعدتها إلى جلب كيانات توسعية وأخرى وظيفية للمنطقة المغاربية، تمهيدا لتفجيرها من الداخل، كما فعلت بالضبط مع دول المشرق العربي، بل إنها وصلت إلى السودان وشرق ليبيا، ودول الساحل جنوب الجزائر، وهو ما أدى بالجزائر إلى التعبير صراحة على أن “القطيعة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة”، بما يلغي أي احتمالية لإمكانية عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين، وبالتالي استحالة استعادة الاتحاد المغاربي روحه التي فقدها منذ أكثر من ثلاثة عقود مضتن.

الرد على مشاريع “التطويق”

غير أن أهمية التكتل الجديد الذي تسعى إليه الجزائر إلى جانب تونس وليبيا، قد لا يقتصر على الجوانب الذي ذكرناها وحسب، بقدر ما يسعى إلى الرد على مشارع التطويق الخطيرة، التي تسعى إليها بعض قوى الشر في المنطقة، ولعل أبرزها وأخطرها ما سمي بالمبادرة الأطلسية التي حركها المغرب إلى جانب الإمارات العربية المتحدة بدعم من الكيان، لتطويق الجزائر من الجنوب الساحلي، عبر ربط بلدان الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة الصحراوي، وهو ما شكل تهديدا واضحا للمصالح الجزائرية في المنقطة، ولولا أن الشقيقة موريتانيا رفضت الانضمام إلى هذا المشروع التآمري على الجزائر، بالنظر إلى أهمية موقعها الجغرافي كمنطقة ربط بين الساحل والأطلسي، كما أنها منطقة مرور حتمية لذلك الخط، لكانت الأمور ستكون أكثر خطورة.

لقد شكل الاتفاق الذي شمل وزراء خارجية المغرب ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد في مراكش المغربية في 23 ديسمبر من العام الماضي، من أجل تحقيق ما سمي بـ”المبادرة الأطلسية”، جرس إنذار واضح بالنسبة للجزائر التي استشعرت على الفور خطورة ما يجري حولها، بدعم مكشوف من قوى وظيفية معروفة الولاءات مثل الكيان والإمارات، والتي لم يكن لها من هدف سوى تطويق الجزائر ومحاصرتها، بسبب مواقفها المبدئية الرافضة للتطبيع وللاختراق الصهيوني للقارة الإفريقية.

تحديات ومخاطر مشتركة

وطبعا، ما كان للجزائر أن توفق في جمع البلدان الثلاثة في هكذا تكتل أو منتدى، لولا أنها جميعا تشعر بأنها تواجه تحديات ومخاطر مشتركة، يتطلب منها جميعا أن تتوحد لمواجهتها بسبب خطورتها، كما أنه ما كان لتونس ولا لليبيا أن تمضي في هذا المشروع الذي اقترحته الجزائر، لولا أنهما قد غسلا يديهما من نظام المخزن، في أعقاب إقدامه على التطبيع بشكل منفرد مع الصهاينة، دون الرجوع إلى مؤسسات الاتحاد المغاربي، أو التشاور مع بقية الدول المغاربية، وبالتالي فإن الخصومة لم تعد بين الجزائر والرباط وحسب، لأسباب تاريخية معروفة تتعلق بالحدود والصحراء الغربية، وإنما بموضوع أكثر حساسية وهو موضوع التطبيع وجلب الصهاينة إلى قلب المغرب العربي.

وهنا يتضح أن ما يجمع العواصم المغاربية الثلاث بشكل لافت، هو رفضهم للتطبيع مع إسرائيل، ما يجعل منهم جبهة قوية ضد التغلغل الصهيوني في المنطقة، خاصة وأن الامتداد الجغرافي لكل من الجزائر وتونس وليبيا، يساعدهم كثيرا على تشكيل كتلة صلبة لصد محاولات الاختراق الصهيوني التي باتت اليوم تتم بأدوات مغربية، وبأموال إماراتية.

وإضافة إلى الخطر الصهيوني الذي يوحد الدول الثلاث، فإن التغلغل الإماراتي أيضا، بات له دور في تحريك هذا التكتل، خاصة وأن تونس عانت كثيرا من التدخلات الإماراتية، كما عانت بشكل أكبر طرابلس من تلك المشكلة بسبب الدعم الإماراتي اللامحدود للجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا، والذي شكل خطرا كبيرا على غرب ليبيا لولا “الخط الأحمر الجزائري”، والتدخل التركي فيما بعد، علاوة على أن العلاقات بين تونس والرباط هي اليوم في أدنى درجاتها، بسبب استقبال قيس سعيد لزعيم البوليزاريو، والحملات المغربية الشنيعة ضد النظام التونسي القائم، ما يجعل هذا التكتل المغاربي الجديد، متوافقا إلى أبعد الحدود للذهاب فيه بعيدا دون الحاجة إلى الطرف “المعطل” في المنطقة المغاربية وهو نظام المخزن الذي اختار موقعه كأبرز أعداء الاتحاد المغاربي وأعداء الشعوب المغاربية التواقة للوحدة ضمن ثوابت الأمة، وليس ضمن أجندات أعداء الأمة.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top