الجمعة 03 مايو 2024

هزيمة استراتيجية للكيان بعد 200 يوم من العدوان

هزيمة استراتيجية

حماس جددت قوتها العسكرية وفرضت نفسها قوة حكم داخل القطاع

ⓒ رويترز
  • الصهاينة يعترفون بخسارة الحرب واستحالة تدمير حماس
كاتب صحفي

بمرور 200 يوم بالتمام، على انطلاق أبشع وأكثر أشكال العدوان والهمجية في التاريخ الحديث الذي شنه جيش العدو الصهيوني على قطاع غزة، ورغم الدمار الهائل والأعداد غير المسبوقة من الشهداء والجرحى والمشردين، فإن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي خططت للقضاء على حماس والمقاومة بعد أحداث 7 أكتوبر، في غضون شهر أو شهرين، قد تحطمت كليا الآن باعتراف الصهاينة وكبار قادة الجيش أنفسهم، في ظل صمود أسطوري من المقاومة والشعب الفلسطينيين في غزة، كرس وبشكل واضح هزيمة استراتيجية للكيان، لن تنقذه منها تهديداته المستمرة باجتياح رفح، ولا المساعدات الأمريكية الغربية السخية التي تتهاطل عليه من كل حدب وصوب.

وكان لافتا بعد مرور 200 يوم من بداية العدوان، تصاعد التصريحات العسكرية من داخل جيش الكيان بهزيمتهم، وتوالي الاستقالات داخل الجيش المهزوم، ودخول الكيان برمته دائرة “اليأس الكامل”، من إمكانية تحرير أسراه بالقوة العسكرية كما كان يتوهم، أو تفكيك حماس والمقاومة التي ما تزال بكامل قوتها داخل القطاع، في ظل تآكل واضح في قوة الردع الإسرائيلي التي تعززت بعد ضربات 7 أكتوبر المباركة في داخل مستوطنات الكيان، بما بات يعرف بضربات 13 أفريل الإيرانية، التي ورغم أنها لم تكن بالقوة المطلوبة، إلا أنها حققت بدورها هدفا غاية في الأهمية يتمثل في سقوط قوة الردع الصهيوني في المنطقة، خاصة بعد الرد “المسخرة” الذي جاوبت به تل أبيب هجوم طهران، واكتفاءها برد في حدود “لعب الأطفال” بتعبير المسؤولين الإيرانيين.

الصهاينة يعترفون: لقد خسرنا الحرب

ولا يمكن فهم حالة الهزيمة الاستراتيجية الصهيونية في غزة بطبيعة الحال من خلال التصريحات الواهمة التي يكررها رئيس حكومة العدو نتنياهو، والتي تركز دائما على مقولة على ضرورة تحقيق “النصر المطلق”، وإنما من خلال المؤشرات التي تخرج من داخل جيش العدو نفسه الذي قاتل داخل غزة ويعرف حقيقة ما يجري، سواء من خلال التصريحات أو الاستقالات التي ارتفعت بشكل كبير في المدة الأخيرة، ولعل أبرز ما يمكن الاحتجاج به في هذا الإطار، ما قاله كبار قادة الجيش خاصة من قوات الاحتياط في الأيام الأخيرة فقط، إلى جانب التقارير والتحاليل الإعلامية الصهيونية نفسها رغم الرقابة المفروضة عليه، دون العودة إلى تصريحات مشابهة قيلت قبل الآن، وعبرت عن نفس مستوى الهزيمة التي لحقت بالكيان أو هي تتربص به.

وتعد تحليلات اللواء في الاحتياط، إسحاق بريك، واحدة من أبرز الأصوات الأكثر مصداقية في الكيان من حيث مواقفه السابقة وتنبؤه بهجمات 7 أكتوبر، حيث لم يتوان في التأكيد على أن “إسرائيل قد خسرت الحرب بالفعل”، وعلى جيش الكيان الانسحاب فورا من القطاع، لأن وقائع الحرب برأيه أثبتت عجز الجيش الإسرائيلي على تدمير حماس، وأن التهديد باجتياح رفح لن يغير في الأمر شيئا.

ودعم هذه الحقيقة الساطعة قائد سلاح البر سابقا واللواء في جيش الاحتياط، غاي تسور، الذي أكد أن فكرة “النصر المطلق” الذي يروج له نتنياهو “مجرد هراء”، لأن إسرائيل برأيه ليست مبنية على مهمات متعددة، بما يؤكد عدم قدرة جيش الكيان على مواصلة هذه الحرب في ظل اشتعال جبهات أخرى باتت تهدده خاصة في الشمال مع لبنان، وبروز الجبهة الإيرانية.

وأصبح واضحا منذ عدة أشهر في قراءة بسيطة لمحتوى الإعلام الصهيوني، أن إسرائيل في ورطة كبرى في غزة، وأنها بالفعل ” قد هزمت هزيمة مطلقة” في مواجهة مقاومة لا تمتلك إلا أسلحة بدائية بسيطة، ويمكن هنا الإحالة إلى مئات المقالات التي تردد هذا المعنى حرفيا، على غرار ما كتبته صحيفة “هآرتس” بشكل واضح “لقد خسرنا الحرب”، وحماس لن يتم تدميرها، والأسرى لن يعودوا بضغط عسكري، وأن عدم الاعتراف بهذه الهزيمة مرتبط فقط بالنفسية الإسرائيلية الخاصة والمعقدة.

استقالات كبار قادة الجيش

وتشكل موجة الاستقالات من الجيش الإسرائيلي من قبل كبار الضباط، واحدة من تمظهرات الهزيمة الاستراتيجية التي لا مناص منها، وقد تجددت هذه الموجة بشكل واضح هذه الأيام، لتكمل موجات سابقة مست بدورها قيادات بارزة في الجيش، وجدت نفسها مضطرة للانسحاب لأسباب مختلفة، بينها الفشل الذريع في تحقيق النصر، إلى جانب الجوانب الأخلاقية التي باتت تضغط على أعداد كبيرة من منتسبي هذا الجيش الذي قيل عنه في السابق على المستوى الغربي بأنه “الأكثر أخلاقية” في العالم، وإذ به يظهر على حقيقته بأنه “الأكثر وحشية وبربرية في العالم”.

وتأتي استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، جراء فشله في التنبؤ بهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، لتظهر حجم التخبط الذي بات يعيشه جيش الكيان، نظرا لحساسية المنصب الذي يشغله، وارتدادات هذه الاستقالة على منظومة الأداء الاستخباري لهذا الجيش المهزوم، وقد دعمت استقالة هاليفا، إعلان قائد “المنطقة الوسطى” التي تضم الضفة الغربية والقدس وتل أبيب، اللواء يهودا فوكس، الاثنين، وبعد ساعات فقط من استقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، اعتزامه الاستقالة من منصبه في أوت المقبل.

فقدان قوة الردع

أما أخطر ما يعانيه الكيان اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت من حالة التخبط والوعود الزائفة بتحقيق النصر المطلق، هو حقيقة فقدانه لقوة الردع التي كان يتمتع بها طوال العقود الماضية، والتي تآكلت بشكل كبير مع هجوم السابع من أكتوبر الماضي، وتأكدت أخيرا مع تداعيات الهجوم الإيراني التاريخي الضخم في العمق الصهيوني، وانكشاف حقيقة أن الكيان لا يستطيع حماية نفسه من أي هجوم كبير إيرانيا كان أو حتى عربيا، دون أن تتدخل قوى غربية كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي أسقطت جل الصواريخ الإيرانية في ظل عجز واضح للصد الإسرائيلي.

ولم يفقد الكيان قوة الردع مع إيران وحسب، بل هو بصدد فقدانها حتى مع حزب الله في لبنان، خاصة مع توالي سقوط المسيرات الصهيونية في سماء لبنان، وتمكن الحزب من إحداث ضربة موجعة في منطقة عرب العرامشة شمال الكيان، عبر مسيّرة لم تتمكن الدفاعات الإسرائيلية المدعومة بالتكنولوجيا الأمريكية من رصدها أو التصدي لها.

ومع قراءة طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران، والذي تبين أنه كان “مسخرة” حقيقية بتعبير بن غفير، وفشل الحرب في غزة بعد ضربات 7 أكتوبر، فإن مقولة توازن الرعب التي يرددها حاليا الإعلام الإسرائيلي لا تعبر عن حقيقة الوضع، ولولا الحماية الأمريكية الغربية لهذا الكيان اللقيط، لكانت المعادلات قد تغيرت بشكل جذري ناحية القضاء على الكيان نهائيا من المنطقة، وهو ما يفرض أن تجد إسرائيل حلا سريعا لمشكلة غزة، التي تحولت إلى وحل لجيش الكيان لا يدري كيف يخرج منه.

حماس رممت نفسها وتدميرها “مستحيل”

وتبدو معضلة تدمير حماس في غزة، أبرز ملامح الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل، بعد أن تبين بعد 200 يوم من الحرب التي دمرت 70 بالمائة من القطاع، وقتلت وجرحت أكثر من 100 ألف مدني فلسطيني، حيث لم تتمكن حماس من الصمود فقط، وإلحاق أفدح الخسائر بجيش الكيان، بل إنها تمكنت أيضا من ترميم نفسها حتى في المناطق التي اعتقدت إسرائيل أنها دمرتها بالكامل مثل شمال قطاع غزة التي تشير الاستخبارات الإسرائيلية نفسها، إلى احتفاظ حماس بحوالي 5 آلاف مقاتل، وكذا في منطقة خان يونس، وقد خرج الصهاينة أخيرا ليعترفوا أنّ حماس أعادت بناء قواتها العسكرية المتضررة من الحرب، وأنها عادت للسيطرة مجددا على القطاع بعد انسحاب 4 فرق عسكرية إسرائيلية من القطاع، وأنها هي الآن سلطة الأمر الواقع التي تشرف على توزيع المساعدات الإنسانية، رغم عمليات القصف التي طالتها من جيش الكيان لمنعها من ذلك.

ويعترف الصهاينة أن الحرب انتهت في الحقيقة منذ عدة أشهر، بعد نفاد بنك الأهداف، ولم يعد بإمكانها تدمير المدمر وإعادة قصف المناطق التي قصفتها مرارا وتكرارا.

وتتفق التقارير الغربية والأمريكية على حقيقة بقاء حماس مسيطرة وقوية بعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، وأن حماس بحسب ما كتبته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تتقوى في الوقت الذي تفقد فيه إسرائيل دعم العالم وحتى الحلفاء منهم، مشيرة في أحدث تقرير لها على لسان مسؤولين أمريكان أن قيادات الحركة مازالوا في مكانهم داخل القطاع، وأن “إسرائيل لم تتمكّن من تدمير حماس، ولا تستطيع القيام بذلك”، لامتلاك حماس شبكة واسعة من الأنفاق ومراكز العمليات تحت الأرض، تمتد لمئات الكيلومترات، وتحت أعماق تصل إلى 15 طابقا تحت الأرض، وهي الأنفاق التي ستتيح لها مستقبلا إعادة تشكيل نفسها والعودة كما كانت وربما أقوى بمجرد انتهاء الحرب.

ولعل من أطرف ما يمكن الإشارة إليه هنا، لمعنى ومحتوى هذه الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل في غزة، ما عبر عنه مقدم برامج في القناة 12 الإسرائيلية عندما علق على صور استجمام الغزيين في شواطئ غزة، بأن السينوار نفسه بات قادرا على الاستمتاع بأشعة الشمس في سواحل غزة، في حين أن الشواطئ الإسرائيلية القريبة من القطاع خاوية على عروشها.

الغريب أن فشل محاولات تدمير حماس التي قلمت بها إسرائيل، تترافق مع فشل ذريع آخر لبعض القوى العربية والإقليمية لنزع سلاح حماس، من خلال طرح إغراءات ومشاريع تخص إقامة الدولة الفلسطينية “منزوعة السلاح”، حيث أكدت تسريبات واسعة أن عروضا تلقتها حماس من أطراف عربية وإقليمية فاعلة، تهدف إلى نزع سلاح حماس كما يحلم الصهاينة، وحل الجناح العسكري للحركة “كتائب القسام”، مقابل إعطاءها فرصة الانخراط في عملية سياسية كبيرة حول مستقبل الدولة الفلسطينية، مع حذفها من قوائم الإرهاب عربيا ودوليا، وهو ما رفضته الحركة بشكل قاطع، معتبرة أن الأطراف العربية المتورطة في هذه الخطة تحاول تحقيق ما عجزت عنه “إسرائيل” بترسانتها العسكرية.

وما يلاحظ في الأخير، أن اجتياح رفح، بات الآن آخر أوراق لعبة القمار الخاسرة التي سيلعبها نتنياهو، من خلال اتساع الحديث عن “المنطقة الإنسانية” على الساحل الغزاوي قبيل تنفيذ الهجوم المرتقب، إلا أنه حتى وإن تمت هذه العملية “المجزرة” كما يتوقع الكثيرون، فإنها لن تغير كثيرا في المعادلة القائمة، وسيضطر الصهاينة باعتراف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا يسرائيل زيف عندما قال إنه حتى بعد اجتياح رفح فإنهم في النهاية سيقومون بإعادة المفاتيح إلى حماس كما فعلوا من قبل في خان يونس ومدينة غزة، ذلك أن أهل الدار وحدهم من سيبقون فيها، أما الغرباء فسيغادرون طوعا أو كرها.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top