الاثنين 06 مايو 2024

هذه هي التحديات التي تنتظر الجزائر حكومة وشعبا خلال العام الجديد: رهانات 2017 … ملفات ساخنة على جميع الأصعدة

ⓒ 21745-4146

يدخل العام الجديد 2017 على الجزائريين برهانات على قدر كبير من الأهمية في مختلف الميادين وعلى جميع الأصعدة، ذات الارتباط بالمواطن سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فعلى الصعيد الأمني، من المنتظر أن يواصل الجيش في مواجهاته المباشرة مع أذناب الإرهاب خاصة على الشريط الحدودي الشرقي والجنوبي، بالتوازي مع العمل الكثيف للدبلوماسية على حلحلة الملف الليبي وتمرير مبادرة الجزائر القائمة على الحوار السياسي، وهو ما قد يكون أحد أهم رهانات الخارجية الجزائرية.

وفي ما يخص الميدان السياسي، فسيكون الجزائريون أمام حدث تنظيم أول انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد، إذ أن نجاح هذا الحدث سيكون أحد أهم رهانات السلطة خلال المرحلة القادمة، كما ستكشف نتائجها على مرحلة جديدة في التسيير لما حمله الدستور من تغييرات خاصة في معايير تعيين الجهاز التنفيذي.
بالنسبة للصعيد الاقتصادي ستجد الحكومة نفسها أمام رهان مواصلة إيجاد اقتصاد منتج خارج المحروقات بغية بناء اقتصاد قوي لا يهتز بهزات بورصة الذهب الأسود، هذا الأخير الذي ستواصل الجزائر العمل على ضمان بقاء سعره في مستوى فوق 50 دولار الذي حددته كمرجعية لموازنتها، من خلال ضمان التزام الدول المنتجة من “أوبك” وخارجها بمقترح تسقيف الإنتاج. بالمقابل ستدخل الصناعات الميكانيكية مرحلتها ثانية بدخول علامات مجال التصنيع في الجزائر، أما على المستوى الاجتماعي ستكون الحكومة أمام رهان الحفاظ على استقرار الجبهة الاجتماعية، من تأثيرات سياسة التقشف وتبعات تطبيق بنود قانون المالية الأمر الذي من شأنه أن يخلق بعض الامتعاض لدى الشارع والطبقة الشغيلة التي ستشهد اهتزازا في قدرتها الشرائية، ما يستلزم تدابير حقيقية من السلطة للتخفيف من حدتها، بالإضافة إلى الانتهاء من ملفات أخرى على قدر كبيرة من الأهمية كملف سكنات “عدل”.

تأمين الحدود وحلحلة الملف الليبي

يأتي الملف الأمني في قمة الرهانات التي تهم الجزائر حكومة وشعبا لما له من أهمية وترابط مع نجاح القطاعات الأخرى، فلا اقتصاد ونمو وسياسة وجبهة اجتماعية في حال ما انعدم الأمن. وبالتالي فإن رهان المؤسسة العسكرية ومختلف الأجهزة والأسلاك الأمنية يأتي بالدرجة الأولى في ضمان استمرار الأمن الداخلي، مع مواجهة أي خطر خارجي يحذق بالبلاد، خاصة على مستوى الشريط الحدودي الشرقي والجنوبي، وهي نقاط التماس مع الجماعات الإرهابية المنتشرة في ليبيا ومالي  والتي لن تذخر أي جهد لتوجيه ضربات ولو كانت بسيطة للجزائر بعد الهزائم الكبيرة التي منيت بها أمام الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، خلال السنوات الماضية واستعصاء الحدود الجزائرية عليها.
بالموازاة مع تعزيز التواجد الأمني بالقرب من الحدود يرى المتابعون لشؤون المنطقة أن نجاح الجزائر في لمّ الأطراف الليبية حول مبادرتها السياسية القائمة على مبدأ الحوار، من شأنه أن يساهم في حل الأزمة الليبية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف العبئ على الجبهة الشرقية للجيش، ويسمح بعودة الهدوء التدريجي إلى المنطقة، ما يعني بأن الدبلوماسية الجزائرية سيكون لها دور كبير ورهاناها الأساسي والأهم خلال السنة هو نجاح الحوار الليبي وحل القضية بشكل سلمي وخاصة دون تدخل أطراف خارجية.

أول انتخابات في ظل الدستور الجديد

ستشهد سنة 2017 تنظيم أول انتخابات تشريعية في ظل الدستور الجديد الذي صادق عليه نواب البرلمان شهر فيفري الماضي، إذ يراهن المتابعون للشأن السياسي الوطني، بأن الاستحقاق القادم من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديد خاصة في ظل الصلاحيات التي ستمنح للأغلبية والدور المنتظر أن تلعبه في تشكيل الجهاز التنفيذي، في وقت يرى المحلل السياسي والقانوني، عمار خبابة، أن الساحة السياسية ستبقى على حالها خلال هذه السنة الجديدة، بعد تراجعت المعارضة خطوة للوراء بتنصلها من أرضية “مزافران” ومشاركتها في التشريعيات المقبلة دون فرض شروطها، وهو ما أكسب الموالاة نقطة إضافية له، فيما شدد على أن المواطن سيواصل مسيرته في مقاطعة الصندوق باستثناء المهرولين نحو الريع والامتيازات، كما اعتبر المحلل السياسي والقانوني، عمار خبابة، أن الاستحقاقات التشريعية القادمة وبعدها المحلية، الحدثين البارزين عل  الساحة السياسية واللذين ينتظرهما المواطن.
كما أوضح المحلل السياسي ذاته، في حديث لـ “الإخبارية”، أن الخارطة السياسية ستكون وفق ما خططت له السلطة ولا توجد أي أمور جديدة، طالما أن أقطاب المعارضة التي رسمت خارطة موازية للسلطة، التحقت بأجندة هذه الأخيرة، استطاع حيث النظام أن يُدجن خصومهن إلا أن خبابة أبقى الباب مفتوحا أمام الجزء المتبقي من المعارضة الرافضة لمشاركة السلطة الحكم، حينما قال “بقيت بعض الأصوات المعارضة التي بإمكانها أن تلتئم  وتُحيّن التراكم النضالي الذي استمر لسنوات منذ الانتخابات الرئاسية الفارطة، ورسم على أساسه خارطة معارضة للنظام الذي اتسعت رقعته بالتحاق أحزاب كانت جزء من أرضية “مزافران” إلى وقت قريب”.
كما تحدث خبابة عن أحزاب الموالاة التي أكد بأنها ستكون في مركز مريح جدا تحسبا للتشريعيات المقبلة، وهذا بالتحاق الأحزاب المعارضة بركب المشاركين في الانتخابات التشريعية، وفق الخارطة التي وضعتها السلطة، بالرغم من أنها  أي “المعارضة”  رفضت الدستور المعدل الذي لم يكن توافقيا ي نظرها ولم يراعي الثوابت، بل أنه لم يفتح آفاق مستقبل ديمقراطي حقيقي، لكنها في الأخير أصبحت جزء من النظام، على حد تعبيره. وفيما يخص الفعل السياسي وتعاطي المواطن مع المستجدات السياسية خلال 2017، توقع الحقوقي، زيادة حدة نفور المواطن من ممارسة السياسية والانتخاب، لأنه أضحى اليوم غير مكترث بها، وهو ما حذرت منه المعارضة، هذه الأخير ـ يضيف خبابة ـ ستلقى ضربة موجعة خلال التشريعيات المقبلة، لأنها لن تحصل حتى على نفس التمثيل والمقاعد التي تحتلها اليوم في البرلمان، فيما تذهب الكتلة الانتخابية التي ألفت الريع والعيش بامتيازات الدولة لانتخاب مرشحيها من الموالاة، أمام أغلبية صامتة تعول عليها المعارضة، وفي الأخير، شدد المحلل السياسي، على أن الذهاب لانتخابات دون الأخذ بعين اعتبار البرامج السياسية للأحزاب، وكذا استغلال إمكانيات الدولة من أموال فيها يُعد تزوير في الانتخابات، لأن الأمور مختلطة كثيرا، كما أن المُنتخب يتوجه للصندوق ليس من أجل برنامج بل ينتخب من أجل الاستفادة من الريع فقط.

بناء اقتصاد قوي خارج المحروقات

في الشق الاقتصادي من المنتظر أن تواصل الحكومة في مسعى للتخلي عن الريع البترولي من خلال بناء نظام اقتصادي يرتكز على الانتاج الصناعي، وهو ما بدأ من خلال مصانع تركيب السيارات، هذه الأخيرة التي ستتعزز خلال السنة الجديد بمصانع أخرى تقودها علامات ألمانية وحتى يابانية، على غرار “فولكسفاغن” و”تويوتا”. ويوضح الخبير في الطاقة، سفيان بن دوينة، أن سنة 2017 ستكون شروع الحكومة في العد التنازلي للتخلي عن الريع البترولي بالتوجه لقطاعات أخرى، سواء في الطاقة أو في مختلف المجالات الاستثمارية الأخرى، حيث أكد أن بقاء أسعار الذهب الأسود في مستوى يتراوح بين 50 و60 دولار للبرميل يحتم على الحكومة الجزائرية التوجه لإيرادات مالية أخرى، بالرغم من محاولة استدراكها الأمر في زيادة الرسوم والضرائب في قانون المالية لهذه السنة، إلا أن هذا يبقى غير كافي، وأمام هذا الوضع، توقع الخبير ذاته، ذهاب الحكومة إلى استغلال الطاقات المتجددة في أقرب فرصة ممكنة من خلال إنشاء مصانع محطات توليد الطاقة الكهربائية والشمسية، وبالتالي بداية مرحلة التجسيد الفعلين وليس النظر في أفكار ومخططات من أجل إيجاد الحل للأزمة التي دخلتها الجزائر بعمق اليوم، مشددا على أنه آن الأوان لاستغلال الغاز الصخري، وإنهاء “فزاعة” الأثر الكبير للتكسير الهيدروليكي على الطبيعة والإنسان.
وفي السياق ذاته، طالب الخبير الاقتصادي، الحكومة بإزالة كل العراقيل البيروقراطية أمام المستثمرين الأجانب، م خلال مراجعة القوانين وتسهيل الأمر أكثر عليهم، حيث أكد أنه الوقت حان لجلب الأموال الصعبة من الخارج، كإيرادات مالية تنعش الخزينة، من خلال فتح الفضاء الاقتصادي أكثر أمام رجال الأعمال وأصحاب الأموال المغتربون، الذين يرغبون في الاستثمار في بلدهم الأم، داعيا في هذا الصدد، إلى تغيير الذهنيات “العنصرية، الجهوية” في التعاملات الاقتصادية والاستثمارية، ورفع شعار مصالح الزائر أولا وأخيرا، لأن الوضع الراهن يقتضي ذلك بشكل مستعجل، وفي الأخير، شدد بن دوينة، على أن السنة الحلية هي لتجسيد كل ما تم التكلم عنه خلال 2016 وقبلها، من أجل إنقاذ الجزائر وقطع الطريق أمام كل المشككين في نجاة الجزائر وقدرتها على تجاوز الوضع، مشددا على ضرورة مراجعة اتفاقيات الجزائر مع أوربا وفرنسا فيما يخص الغاز، الذين يدفعون مبالغ زهيدة مقابله.

جبهة اجتماعية على صفيح ساخن

في الشق الاجتماعي، تتوجه أنظار المواطنين إلى جانب تطبيق قانون المالية لـ 2017 وما حمله من رسوم وضرائب ستؤثر على القدرة الشرائية للمواطن وهو ما ينعكس على الوضع الاجتماعي وحالة الغليان التي ستترجم –حسب المتابعين- إلى احتجاجات واعتصامات من قبل فئات مختلفة، وفي هذا الصدد أكد الناشط الحقوقي بوجمعة غشير، أن ما حمله قانون المالية لسنة 2017 من زيادات من شأنها أن تمس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الصميم، إذ سيجد المواطن نفسه في مواجهة غلاء المعيشة وعجزه عن سد احتياجاته من مأكل وملبس وغيرها من الأمور الضرورية، بسبب انهيار قدرته الشرائية، في ظل اختلال ميزان الأجور وارتفاع الأسعار، كما يرى بوجمعة غشير، الذي صرّح للإخبارية أمس، أن الحقوق السياسية هي الأخرى ستشهد تراجع كبير، متأثرة بتراجع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي سترافقها عمليات احتجاج ستتصدى لها الحكومة من خلال منع التظاهر والتجمهر، وهو الأمر الذي سيزيد من سوداوية التقارير الدولية حول واقع حقوق الإنسان في البلاد، إذ سيتم استغلال كل هذه النقاط بصفة سلبية من طرف المخابر الدولية، متوقعا أن تشهد تقارير 2017 هجوما كبيرا على الجزائر، في حال تعاملها بنوع من القمع مع الاحتجاجات.
نقطة أخرى أشار إليها محدثنا، متمثلة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمنتظر أن يبدأ عمله بصفة رسمية خلال السنة الجديدة، حيث عبّر عن أمله أن يكون مشكلا من مناضلين حقوقيين حقيقيين، وليس من “أشخاص انتهازيين يركضون خلف الامتيازات مثلما هو جاري في كثير من الهيئات اليوم”، بالإضافة إلى أن يتمتع بالاستقلالية التامة والفعلية عن السلطة والأحزاب السياسية، لمنع أي ممارسات للضغط أو التأثير على قراراته، والأهم –حسب غشير- أن تكون له كلمة مُسموعة لدى السلطات ومختلف الأجهزة العاملة في الدولة، ورئاسة الجمهورية تحديدا، مع تقبل تقاريره والعمل بتوصياته، وأن لا تبقى مجرد حبر على ورق بل يجب التفاعل معها، وهو الأمر الذي سيسمح بتحقيق الكثير بالنسبة لوضع حقوق الإنسان في الجزائر خلال هذه السنة.

المرجعية الدينية وصد خطر الفتاوى المستوردة

نقطة أخرى على صعيد كبير من الأهمية، وظهرت عدة مرات خلال السنة الماضية من خلال تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، والتي ينتظر أن تجد طريقها نحول الحل خلال السنة الجارية، وهي المرجعية الدينية الجزائرية، ومواجهة موجة الفتاوى المستوردة، وفي هذا الجانب أوضح جمال غول، الأمين العام للمجلس الوطني المستقل للأئمة أن تراجع الإفتاء لدرجة كبيرة أربك المرجعية الدينية وتديّن الجزائريين، حتى أصبحت الأحكام المسلم بها مشكوك فيها، وأصبح المواطن يستورد الفتاوى من الخارج سواء عن طريق الفضائيات أو السماع لمفتتين من الخارج، وهو ما يجب أن تراجعه وزارة محمد عيسى خلال هذه السنة، من خلا ضبط الفتوى لدرجة  تخدم المرجعية الدينية الموحدة، وترشيدها بطريقة صحيحة، وأضاف جمال غول، في تصريحه لـ “الإخبارية”، أنه “آن الأوان لرفع التجميد خلال السنة عن التوظيف في القطاع، الذي يشهد بناء مساجد يوميا، وهو ما يعني أن تأطيرهم من قبل أناس أكفاء ضرورة، وليس من قبل متطوعيين يُجهل رصيدهم ومشاربهم الدينية، وهذا حفاظا عن خطاب المسجد.
كما عبّر محدثنا عن أمله بأن تشهد السنة إعادة الوزارة الاعتبار لعلماء  الدين الذين فقدت الجزائر الكثير منهم خلال السنتين الماضيتين، من خلال الاستفادة من تراثهم العلمي الذي خلفوه، كونهم يمثلون المرجع، أما فيما يخص محاربة الطوائف الدخيلة على العقيدة الجزائرية، يرى غول بأنه قد حان الوقت لتجسيد مخطط عملي خلال السنة، عوض الاكتفاء بالتصريحات والهالة الإعلامية التي يقودها الوزير، والتي أصبحت شعارا بالمجان لهؤلاء، مشيرا إلى ضرورة التنسيق الجهود في هذا الإطار من أجل القضاء على كل الأفكار الغريبة وهدامة.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top