السبت 18 مايو 2024

العالم يحبس أنفاسه انتظارًا لوقف الحرب في غزة

الحرب

أمريكا تحاول التلاعب بالكلمات والمصطلحات في موضوع الضمانات الدولية لوقف الحرب

ⓒ رويترز
  • أوراق القوة بيد السنوار أكبر من مثيلاتها بيد نتنياهو الذي خسر دعايته عن "النصر المطلق"
كاتب صحفي

يحبس العالم كله أنفاسه، وتصاب دولة الكيان الصهيوني بالشلل التام، بعد حوالي سبعة أشهر كاملة من الحرب العدوانية، ترقبا لرد المقاومة الفلسطينية وقائدها الكبير يحيى السنوار، على اقتراح صفقة الرهائن التي تلهث خلفها حاليا الولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل”، أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، بعد فشل خيار القوة العسكرية لتحرير الأسرى الصهاينة من أيدي المقاومة، وانتهاء قوة الردع الصهيونية إلى غير رجعة إثر صمود أسطوري للمقاومة، وتزايد حدة الضغوط الداخلية الرهيبة على حكومة الكيان بسبب مظاهرات أهالي الأسرى، وكذا على حكومة بايدن الداعمة لها بعد تصاعد مظاهرات واعتصامات الجامعات الأمريكية.

وتدخل الصفقة المرتقبة بين الكيان وحماس حول تبادل الأسرى ووقف الحرب، ما يمكن تسميته في التوقيت الصعب، أي في ربع الساعة الأخير، قبل الإعلان عن نجاح تلك المفاوضات ونهاية الحرب، أو الذهاب إلى حالة من التصعيد العسكري بات الكيان نفسه يعترف أنه أصبح غير قادر عليها، حيث من المرجح أن يستغرق التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين عدة أيام أخرى لكنها لا تتجاوز أسبوعا من الآن، في ظل خلافات حادة داخل الكيان بين المطالبين بإنجاز الصفقة بأي ثمن ولو تعلق الأمر بإنهاء هذه الحرب التي باتت بلا معنى، وبين تيار اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو نفسه، الذي يعمل على المماطلة تفاديا لهزيمة ساحقة سيتعرض لها الكيان في حال قبوله بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب إلى جانب عودة النازحين وإعادة الإعمار مقابل استرجاع أسراه كما تصر على ذلك حماس.

وازدادت احتمالية الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى، لأسباب كثيرة مرتبطة ـ كما قلنا ـ بالضغوط الشعبية الداخلية في إسرائيل وحتى في أمريكا نفسها، إلا أن العامل الحاسم في هذا الاتجاه، هو بالتأكيد وصول الصهاينة إلى قناعة تامة داخل قيادات الجيش الصهيوني والمخابرات بما فيها الموساد والشاباك، بأن الحرب في غزة وصلت إلى طريق مسدود، بسبب الفشل في استعادة الأسرى بالقوة، وبقاء قوة المقاومة على الأرض، وعدم دعم واشنطن لخيار الذهاب لاجتياح رفح، ما أفقد الكيان قوة فرض وإملاء شروطه، ومنح المقاومة القدرة على المناورة والإصرار على عدم التخلي عن تضحيات الشعب الفلسطيني التي قدمها خلال هذه الملحمة التاريخية، وما قدمه من دماء غزيرة تستوجب أن ينال بعدها كل حقوقه بما في ذلك حقه في بناء دولته المستقلة.

عقدة المفاوضات في وقف الحرب

وتمتلك حماس بعد كل هذه المدة من الحرب، كل أوراق اللعبة بيدها، بدليل أن واشنطن وتل أبيب وخلفهما العالم كله يترقبون طبيعة الرد الحمساوي على المقترح المصري، لكن الحركة تواصل اللعب بأعصاب الكيان ولا ترد رغم أن التنازلات الصهيونية هذه المرة تبدو أكبر مما سبق في الجولات الماضية، إلا أن المطلب الأساس والرئيس للمقاومة بحتمية وقف العدوان بشكل واضح ودون لبس ولا تلاعب بالألفاظ يبقى هو العقبة الرئيسة حيث يواصل نتنياهو رفض هذا المطلب بشدة، والتهديد في المقابل باجتياح رفح، باعتبارها آخر الأوراق لديه، وهو ما يعرض الاتفاق برمته للخطر.

ورغم التقدم في ملفات كثيرة كانت محل خلاف في السابق، حيث يشير الاتفاق المقترح في مرحلته الأولى بهدنة تمتد لأربعين يوما، إلى إطلاق سراح 33 إسرائيليا مقابل حوالي ألف أسير فلسطيني، بينهم القيادي الفتحاوي الكبير، مروان البرغوثي، مع عودة النازحين إلى شمال القطاع، وانسحاب الجيش الإسرائيلي بعيدا عن المناطق السكنية، قبل الوصول إلى المرحلتين الثانية والثالثة بواقع 42 يوما من الهدنة في كل منهما، لاستكمال تبادل بقية الأسرى وانسحاب الجيش من كامل القطاع، إلا أن العقدة الكبيرة تبقى في التزام الكيان بوقف الحرب والعدوان بصيغة واضحة لا لبس فيها، مع تقديم ضمانات دولية على ذلك، وعلى رأسها ضمات تركية، وهو ما يعقد الأمر حيث ترفض حكومة نتنياهو ذلك بشدة، وهي تراهن على استعادة أسراها في هذه المرحلة، ومن ثم تجريد المقاومة من أوراق قوتها، ثم العودة إلى القتال والعدوان واستكمال تدمير القطاع وكتائب المقاومة، وهو ما تدركه المقاومة جيدا لعلمها بالنوايا الحقيقة لنتنياهو وحكومته المتطرفة.

وتسير المفاوضات على تفاصيل دقيقة تتعلق خاصة بموضوع الضمانات التي تطالب بها حماس لوقف الحرب، وإمكانية استبدال الضمانات الروسية التركية بضمانات أمريكية “موثقة ومكتوبة”، وأن تمر الصفقة وفق ثلاث مراحل تنتهي بإقرار لوقف إطلاق النار، إلا أن الولايات المتحدة التي تناور برفضها القبول بالضمات الروسية التركية، ترفض أيضا تقديم ضمانات موثقة للفصائل الفلسطينية بدعوى أن القوانين الأمريكية تمنع ذلك على اعتبار أن فصائل المقاومة مصنفة لديها في دائرة الإرهاب، الأمر الذي لم تبق معه سوى الذهاب نحو التزام أمريكي علني للوسيطين القطري والمصري، ومع ذلك فإن المناورات الأمريكية في هذه المفاوضات المعقدة التي يقودها مدير الاستخبارات الأمريكية نفسه، ويليام بيرنز، لم تتوقف عبر طلب مهلة لإعداد ورقة قانونية مرجعية تظهر شكل وصيغة مدى الالتزام الامريكي بوقف الحرب.

وهكذا تتواصل حرب الضمانات، إلى جانب حرب المصطلحات كما بات يعرف، حيث تصر المقاومة على عبارة “وقف الحرب والعمل العسكري”، وتتلاعب أمريكا بالكلمات وتصر على صيغة “العمل على وقف الحرب”، اعتمادا على كمائن لغوية في الترجمة يمكن للصهاينة بعدها استغلالها بطريقتهم الخبيثة المعروفة، لمواصلة العدوان.

عض الأصابع بين نتنياهو والسنوار

وفي خضم هذه المعركة، تبرز لعبة هي الأخطر بين المجرم نتنياهو والقائد البطل يحيى السنوار، يمكن وصفها بحق بأنها “لعبة عض الأصابع”، من يصرخ أولا يخسر الحرب، حيث يمارس كل منهما ما لديه لتحقيق النصر أمام جمهوره وأنصاره.

ويبرز الدور الخطير والمحوري للمجرم نتنياهو في الجانب الصهيوني، بكونه يعد حجر العثرة الأولى في الوصول لأي اتفاق هدنة، باعتبار أن وقف الحرب يهدد مستقبله السياسي، ويجعل وعوده بتحقيق ما سمّاه “النصر المطلق” يتهاوى كليا، ولذلك فهو يكرر اليوم التصريح بنفسه أحيانا، وأحيانا أخرى من خلال تسريبات عن مصدر سياسي مسؤول كبير، برفض طلب حماس وقف الحرب كشرط للموافقة على مقترح الهدنة، رافعا ورقة اجتياح رفح كآخر ما لديه من أوراق ضغط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، معتمدا في ذلك على دعم وزراء وتيار اليمين المتطرف من أمثال سموتريتش وبن غفير.

ويقف في مقابل نتنياهو المأزوم، والمطارد من طرف عدالة بلاده ومظاهرات شعبه، وخطر إصدار الجنائية الدولية أمرا بالقبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، القائد البطل يحيى السنوار، القائد العسكري لكتائب القسام، وصاحب الكلمة الفصل في قرار حماس والمقاومة داخل القطاع حول أي اتفاق للتهدئة، حيث يلعب السنوار، الذي دوّخ جيش الكيان وجيش أمريكا، سواء في قضية التكتيكات العسكرية التي أذهلت العالم، أو في قضية التخفي وعدم قدرة أجهزة المراقبة والتنصت على إيجاد مكانه، والتي كانت منها الفشل قبل أيام فقط في استهدافه باعتراف الأمريكيين أنفسهم، دورا أساسيا في مواجهة استراتيجية نتنياهو في لعبة “عض الأصابع” تلك، أين يمتلك السنوار أوراق قوة أكبر، والتي من أهمها تآكل أهداف الحرب بالنسبة لجيش الكيان، وعدم قدرة ذلك الجيش على مواصلة حرب بلا أفق، خاصة بعد تمكن كتائب القسام من إعادة بناء قوتها في الكثير من المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، وتعاظم الغضب الشعبي داخل الكيان وحتى في أمريكا نفسها ضد الحرب وجرائمها، إلى جانب تعاظم السند العسكري لمحور المقاومة باستعداد حزب الله للدخول في حرب مفتوحة في شمال الكيان في حال دخول جيش الإسرائيلي للمربع الأخير للمقاومة في رفح، وتهديدات الحوثيين بدخول المرحلة الرابعة من المواجهة بنقل المعركة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط واستهداف كل السفن الإسرائيلية أو تلك التي تتعامل مع الكيان في موانئ المتوسط في حال ارتكاب حماقة الدخول إلى رفح.

وتتضح بصمة السنوار الذي أفلت من محاولة استهداف جديدة، كما أكد ذلك مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي السبت،  في ما يجري أكثر بعد ما نقلته صحيفة  “وول ستريت جورنال” عن الوسطاء العرب عن ما قاله السنوار عبر ممثلي حماس لأول مرة عن صفقة التهدئة المقترحة، بأنها الأقرب حتى الآن لمطالب الحركة رغم بعض التحفظات، ما يعني أن شرط وقف العدوان بشكل تام وواضح، هو من صميم الموقف الذي يتخذه السنوار شخصيا مدعوما بمواقف جميع فصائل المقاومة، وأنه من دون ضمان ذلك فقد تذهب كل تضحيات الشعب الفلسطيني هباء منثورا.

وهنا تتضح العقدة الكبرى بين موقفي نتنياهو والسنوار، حيث تتقاطعان في النقطة نفسها تقريبا، وهي قضية وقف العدوان من عدمه، حيث أن بقية النقاط الأخرى المتعلقة بالأسرى وانسحاب الجيش من ممر نتساريم ومن القطاع كله، بات يمكن تجاوزها، إلا أن نقطة وقف الحرب هي التي تضع العدوان اللدودان السنوار ونتنياهو في مواجهة كاملة، على اعتبار أن تلك النقطة هي من ستحدد المنتصر من المنهزم، لما سيتبعها من قضايا أساسية أخرى مرتبطة بمستقبل القطاع بعد الحرب، سواء تعلق الأمر بمن يحكم القطاع ومن يتولى الأمن بداخله، أو ما تعلق بموضوع إعادة البناء، حيث يسعى نتنياهو لتحويل غزة إلى منطقة رخوة سياسيا، لا مانع أن تشبه دبي من حيث البناء وناطحات السحاب، لكنها تابعة وخانعة ومن دون مقاومة، بينما يصر السنوار على أن تحتفظ غزة باستقلاليتها وبوصفها جبهة مقاومة صلبة كنقطة ارتكاز أساسية في مسار بناء الدولة الفلسطينية القوية والمستقلة، ما يجعل من الأيام المقبلة، حاسمة في تحديد المنتصر من المنهزم في لعبة عض الأصابع هذه التي طالت وتجاوزت كل التوقعات.

YouTube video

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top