الجمعة 10 مايو 2024

العالم في انتظار الرد الرسمي من حماس

حماس

غياب الضمانات الكافية لوقف إطلاق النار هو ما يؤخر رد حماس

ⓒ أسوشيتد برس
  • بعد الاتفاق الإطاري في باريس على هدنة طويلة الأمد في غزة
كاتب صحفي

يترقب العالم كله هذه الأيام، الرد الرسمي والنهائي لحركة “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية المتحالفة معها في صد العدوان الصهيوني، على الاتفاق الإطاري الذي حصل نهاية شهر جانفي الماضي بباريس، بعد لقاء مخابرات أربع دول هي أمريكا والكيان ومصر وقطر، ويتضمن صفقة تبادل للأسرى وهدنة طويلة المدى على ثلاث مراحل بين المقاومة وجيش العدو.

وأحدث التأخر النسبي للرد المرتقب من حماس التي تسلمت الأسبوع الماضي، الوثيقة الإطارية للاتفاق المقترح، حالة من السوسبانس والترقب، خاصة في الأوساط الشعبية الفلسطينية المتضررة بشكل يفوق التحمل بسبب وحشية العدوان، وكذا الأوساط الصهيونية التي دخلت في صراعات بين أجنحتها المختلفة حتى وإن كان جزء منه ضمن “مسرحية معدة سلفا” للضغط على المقاومة، إلى جانب ترقب عالمي يتقدمه الوسطاء خاصة الجانب الأمريكي الذي يراهن كثيرا على الصفقة للخروج من “ورطة غزة” في ظل مخاطر توسع الحرب بعد أن شملت لحد الآن اليمن وسوريا والعراق عقب الضربات الأمريكية لتلك الدول.

وأدى هذا الوضع إلى تسرب شائعات غير صحيحة، عن رفض حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الاتفاق الإطاري للصفقة المقترحة حول تبادل الأسرى وهدنة طويلة المدى، إلا أن مصادر مطلعة من داخل الحركة نفت تلك الأنباء التي صدرت من بعض المنصات الإعلامية، مؤكدة أن الأمر يتعلق باستكمال المشاورات مع كافة الفصائل والمكونات الفلسطينية، وأن ردها سيكون قريبا.

ويفسر بعض المراقبين التأخر النسبي لرد حماس على المقترح، بسبب تشعب الأطراف من الفصائل الفلسطينية التي تشارك حاليا في المعركة إلى جانب حركة حماس، حيث دخلت تلك الفصائل مجتمعة في ما يشبه قيادة أركان مشتركة لإدارة الحرب، إلى جانب الدعم القطري للفصائل في أخذ ما يكفيها من وقت للوصول إلى قناعة كافية للوصول إلى اتفاق صلب، وإلى أن هناك فصائل مقاومة لديها شروط صلبة في موضوع التفاوض الذي لا ينبغي أن ينزل تحت سقف الوقف الشامل لإطلاق النار مثل حركة الجهاد الإسلامي، وضرورة إطلاق سراح القادة الكبار للفصائل مثل الجبهة الشعبية، علاوة على تعقد مسرح الأحداث داخل غزة في ظل صعوبة التواصل وخطورته بسبب استمرار العدوان والمراقبة المكثفة لكل التحركات من خلال الدرونات وأدوات التجسس المعقدة التي تشارك فيها الولايات المتحدة وبريطانيا.

الخوف من المكيدة

وتتضافر العديد من الأسباب وراء تأخر حماس والمقاومة في الفصل السريع في هذا المقترح الإطاري للصفقة المرتقبة، ويتقدمها غياب الضمانات الكافية للوصول في نهاية الاتفاق إلى وقف شامل لإطلاق النار والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من كامل أراضي قطاع غزة، خاصة وأن “إسرائيل” التي تكون قد وافقت مبدئيا بعد مشاركة أجهزتها الأمنية في لقاء باريس، على وقف إطلاق النار والانسحاب في نهاية المفاوضات، لكنها ترفض منح ضمانات أو تحديد سقف زمني للانسحاب.

وتتوجس حماس والفصائل المقاومة الأخرى من إمكانية أن تكون هدفا لكمين كبير أو مكيدة أمريكية صهيونية، تنتهي بها إلى تسليم كل أوراقها المتمثلة في الأسرى، لتصبح بعدها هدفا سهلا من دون أوراق قوة في مواجهة الانتقام الصهيوني، ولذلك تصر حماس والمقاومة بعد أن تنازلت على ما يبدو على شرط الوقف الشامل لإطلاق النار قبل أي مفاوضات، على حتمية الحصول على ضمانات كافية بخصوص الوقف التدريجي لإطلاق النار في بعض المناطق داخل غزة مع الانسحاب الجزئي الأولي، شريطة أن ينتهي ذلك في نهاية الصفقة والمفاوضات بوقف كامل لإطلاق النار وانسحاب كلي لجيش الاحتلال.

وهذا الشرط هو الذي كرره القيادي في حركة “حماس” أسامة حمدان، الإثنين، والمتمثل في “وقف إطلاق نار شامل وانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل قطاع غزة ورفع الحصار”، وهو ما لا تريده “إسرائيل” لحد الآن، مع تقلب موقف نتنياهو، ووجود عناصر متطرفة في حكومته أمثال بن غفير وسموتريتش اللذين ضاعفا تصريحاتهما بتفكيك الحكومة في حال إقرار صفقة من هذا القبيل.

وتكبر مخاوف المقاومة من إمكانية حصول المكيدة، من خلال الموقف الصهيوني المتمثل في سعيه لتبادل سريع للأسرى والرهائن، قبل إجراء مفاوضات وقف إطلاق النار، كما أن الضمانات الأمريكية التي تحاول تقديمها إدارة بايدن، التي تقود المفاوضات عبر رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي وليام بيرنز، قد تكون بحد ذاتها ضمن المكيدة، حيث أن الولايات المتحدة متورطة بشكل فاضح في العدوان من خلال الدعم السياسي اللامحدود للكيان، وهي التي تواصل منحه الضوء الأخضر للاستمرار في جرائمه، وتصر على رفض وقف إطلاق النار متمسكة بهدنة طويلة الأمد، تنتهي بعد أشهر قليلة ( أربعة أشهر فقط حسب التسريبات) لتعود المجزرة بعدها كما كانت.

تفاصيل معقدة

وإلى جانب تلك المخاوف، تبرز عناصر أخرى للصفقة غاية في التعقيد والصعوبة، خاصة ما يتعلق منها بالأسماء الوازنة من القيادات الفلسطينية التي تطالب حماس وفصائل المقاومة بإطلاق سراحهم ضمن عملية تبادل الأسرى، وهي القضية التي تثير بدورها الكثير من اللغط داخل الكيان، والتي ارتفعت بشأنها أصوات كثيرة تعلن رفصها إطلاق سراح “الإرهابيين” بحجة أن سنوار واحد يكفي، فكيف إذا تعلق الأمر بمئات وآلاف من أمثال السنوار الذين سيطلق سراحهم.

وكشفت مصادر إسرائيلية أن حماس تصر على فكرة “الكل مقابل الكل” في عملية تبادل الأسرى، حيث تحتفظ حماس بحوالي 136 أسيرا إسرائيليا، بينما زج الكيان في سجونه ومن دون محاكمات لحد الآن حوالي 9 آلاف فلسطيني، كما أنها تصر على أن تشمل الصفقة أسماء ثقيلة جدا في الساحة الفلسطينية، وعلى رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبد الله البرغوثي، وهي أسماء من شأنها أن تقلب الخارطة السياسية الفلسطينية رأسا على عقب خاصة في ما يتعلق بالزعيم الفتحاوي مروان البرغوثي، الذي من المرجح أن يلعب دورا بارزا بعدها في إعادة فتح إلى الخط الجهادي والتخلص من عار اتفاقيات أوسلو التي ما زال محمود عباس يصر عليها حتى الآن.

وتشمل الصفقة إطلاق 35 أسيرا إسرائيليا في المرحلة الأولى، مقابل عدد متفق عليه من الفلسطينيين، يكون مرفقا بوقف لإطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من مراكز المدن في حدود 45 يوما، تليها المرحلة الثانية الأكثر أهمية يتم فيها الافراج عن الأسرى الجنود مقابل أعداد كبيرة من المساجين الفلسطينيين، غير أن الفترة الفاصلة بين المرحلتين الأولى والثانية قد تستغرق حوالي 3 أشهر من المفاوضات، ما سيصعب على جيش العدو مواصلة القتال، إلا أن الضمانات المرافقة لكل تلك العملية هي العقبة الكبيرة كما أسلفنا.

ضغوط على حماس والمقاومة

إلى ذلك، تزداد الضغوط الميدانية على حماس والمقاومة، من خلال زيادة القصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين خاصة، لتصل حصيلة هذا الإجرام الصهيوني غير المسبوق في التاريخ الحديث، إلى الإيقاع بحوالي 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، وهو رقم هول بحسب جميع التقديرات للمنظمات الدولية في رقعة جغرافية ضيقة وعدد سكان في حدود المليوني نسمة فقط.

كما يتواصل الضغط الصهيوني بعمليات إجبار سكان شمال غزة للنزوح إلى دير البلح في الوسط، وسكان خان يونس للنزوح إلى رفح جنوبا، وهو ما يضاعف من حجم المعاناة الإنسانية الضخمة، في ظل انعدام الطعام والماء وأدنى ضروريات العيش في ظروف مناخية صعبة للغاية.

إلا أن الضغط الأكبر إلى جانب عمليات القتل والتشريد المستمرة، هو التلويح والتهديد الصهيوني باجتياح آخر منطقة بقيت سالمة في غزة وهي منطقة رفح على الحدود مع مصر، والتي باتت مكتظة عن آخرها بحوالي 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية قاسية للغاية، ومكمن التهديد الأبرز هنا، هو محاولة الكيان السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الذي يرتبط باتفاقيات خاصة بين الكيان ومصر، من أجل خنق القطاع المحاصر أكثر، بحيث لن يكون له في حال رضوخ الجانب المصري للابتزاز الإسرائيلي أي منفذ بري على العالم، الأمر الذي سيجعل من مصير أكثر من مليوني غزاوي بين أيدي الصهاينة، وهو وضع كارثي سيمهد للاحتلال الكامل وتصفية القضية الفلسطينية.

ضغوط على نتنياهو واليمين المتطرف

في المقابل، يتعرض الكيان بقيادة الإرهابي نتنياهو بدوره إلى ضغوط مختلفة من طرف الولايات المتحدة التي تريد إنقاذ الكيان الهائج، ومنع توسع الحرب التي بدأت تطل برأسها من اليمن والعراق وسوريا، ومن المجتمع الدولي خاصة بعد قرارات محكمة العدل الدولية، وحتى من الداخل من أسر الأسرى والمعارضة السياسية بقيادة لابيد، وكذا من عناصر قوية حتى من داخل مجلس الحرب من أمثال غانتس وإيزنكوت الداعمين للصفقة.

ورغم محاولات نتنياهو الظهور بمظهر القوي، وإعلانه الأخير أن “إسرائيل” ليست مستعدة لقبول اتفاق لتحرير “الرهائن” في غزة بأي ثمن، وأنه لن ينهي الحرب دون القضاء على حماس، وإعادة جميع مختطفيهم، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لإسرائيل في المستقبل، إلا أن الضغوط الأمريكية إلى جانب ضغوط اليسار الإسرائيلي وعائلات الأسرى، تجعل نتنياهو في وضع صعب للغاية مع وجود مجانين اليمين المتطرف الذين يهددون بحل الحكومة في حال قبوله بالصفقة، يبدو أنها قوية للغاية هذه المرة، خاصة مع وجود تشريع أمريكي بتقديم مساعدات مالية للكيان تتجاوز 17 مليار دولار، وهو مبلغ لا يمكن للكيان المغامرة بخسارته في حال ما إذا رفض الأوامر الأمريكية بخصوص صفقة تبادل الأسرى.

كما تغري واشنطن إلى جانب الضغوط المالية، بجزرة التطبيع مع السعودية، التي تضعها أمريكا على طاولة الكيان في حال القبول بالصفقة، ومن ثم بدولة فلسطينية ولو كانت (صورية منزوعة السلاح أو في الورق فقط).

ومع ذلك، تنتظر حكومة الكيان بدورها الرد الحاسم والرسمي لحركة حماس على الوثيقة الاطارية المقترحة لتأخذ بدورها موقفا نهائيا، في ظل رفض جزء كبير من وزراء الحكومة المتطرفة لها، في محاولة على ما يبدو من الكيان رمي الكرة إلى الملعب الفلسطيني في حال رفض حماس للوثيقة، أما في حالة قبولها بشروط المقاومة المعروفة وعلى رأسها موضوع الضمانات، فستكون أزمة الكيان مضاعفة، ولا يستبعد عندها أن تنفجر الحكومة من الداخل، سواء بالرفض من جهة الداعمين للصفقة، أو بالقبول من جهة الرافضين وعلى رأسهم أقطاب الصهيونية الدينية.

YouTube video

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top