الخميس 02 مايو 2024

الشيخ سيدي الحبيب.. وفي الليلةِ الظلماءِ يفتقدُ البدرُ

الشيخ
ⓒ الشيخ
مسؤول النشر

ولد الشيخ سيدي الحبيب بن مولاي عبد الرحمن بسالي بأدرار سنة 1929م، تربى في كنف ورعاية والده، فأدخله والده الكُتَّاب الموجود بقريتهم لتعلم القرآن الكريم، ولما بلغ سن التاسعة عشرة من عمره التحق بمدرسة شيخه سيدي مولاي أحمد الطاهري السباعي بقصر العلوشية سنة 1947م، فقبله الشيخ ورحب به، وانتظم في سلك طلبته، فاغترف من بحور علمه وتأدب بسمته واقتبس من أخلاقه، وقد عرف عنه صدقه وإخلاصه وتفانيه في خدمة الشيخ والإشراف على مصالح المدرسة، وهو ما جعل له مكانة خاصة في قلب شيخه فنال من بركة دعواته مالم ينله إلا قلة من أقرانه، وبعد أن تضلع في شتى العلوم الشرعية واللغوية ونهل من مناهل وينابيع العلم والمعرفة أجازه شيخه إجازة شفهية عامة في شتى العلوم، وقد كانت علاقته مع شيخه متميزة، حيث كان أمين سره، له حظوة خاصة عند الشيخ ويلازمه في حله وترحاله، ومن أهم رحلاته معه رحلته للبقاع المقدسة لأداء فريضة الحج وذلك سنة 1958م، وفيها أسند له الشيخ مهمة المدرسة وجعله وصياً على أولاده وكل ممتلكاته بتوات وحرّر له بذلك وثيقة مكتوبة، ودعا له بالفتح المبين، يقول الشيخ عن ذلك في كتابه نسيم النفحات: “وفي الروضة الشريفة كتبت له التقدم على المدرسة والطلبة والزاوية وجميع الأمور الداخلية والخارجية”.

ولما عاد إلى سالي لازم المدرسة يدرس الطلبة ويقوم على الضيوف حافظاً لوصية وعهد شيخه، شاعراً بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، متحملاً الأمانة، مضطلعاً بها على أحسن وجه، وفي سنة 1970م لما عاد الشيخ مولاي أحمد وتفقد حال المدرسة كيف أصبحت دعا له برفع الشأن وعلو المنزلة وسمو المكانة وحصول المراد، لم يلبث الشيخ مولاي أحمد بتوات إلا مدة يسيرة وغادر أرض الوطن في السنة نفسها، فعهد للسيد مولاي الحبيب الخلافة على المدرسة والأملاك والأولاد مرة أخرى فشمر عن ساق الجد والاجتهاد فلازم المدرسة لا يفارقها إلا لضرورة، ولبث في كنف شيخه ومدرسته مدة 27 سنة متحلياً بصبر وعزيمة كبيرة، ففي سنة 1974م قرر الانتقال إلى قصر تاسفاوت لتولي شؤون المدرسة التي بناها الشيخ مولاي أحمد مرتحلاً بعدد من الطلبة وبموافقة الشيخ مولاي أحمد، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد والنشاط مع علو الهمة، ولما عاد الشيخ مولاي أحمد إلى أرض الوطن سنة 1975م زاره بمدرسة تاسفاوت مهنأً له بمدرسته الجديدة داعيا له بالفتح والتمكين ولطلبته إلى يوم الدين مع صدق النية.

ولما كثر توافد الطلبة عليه من كل حدب وصوب وامتلأت المدرسة وضاق بهم المكان وكثرت عليه الفتوحات، بنى مدرسة جديدة وانتقل إليها سنة 1987م، لكن هذه المدرسة لم تستوعب عدد الطلبة المتوافدين عليه، ما جعل شيخنا يفكر في بناء مدرسة أوسع لاستيعاب عدد أكثر من الطلبة فاشترى قطعة أرضية وبدأ البناء بها سنة 1989م، وانتهى البناء من المدرسة الجديدة سنة 1990م، وهي مدة قصيرة نالت إعجاب وثناء المحبين وأرغمت أنوف الحاسدين والشامتين، وقد شهد له الشيخ مولاي أحمد بحسن التدبير وصدق الأداء قائلاً: “خليفتنا الأكبر والشريف الأنور السيد مولاي الحبيب وهو القائم على أمور مدرستنا سلفاً فأحسن القيام بها وساسها ودبر أحسن تدبير وأحسن قيام، وهو القائم اليوم بعون الله وقوته على مدرستنا الثانية الكائنة بتاسفاوت فنظمها وأحسن تنظيمها وقام بها أحسن قيام جزاه الله الملك العلام”.

عاش شيخنا رحمه الله 75 سنة (1929- 2004م) قضى منها 57 سنة للقرآن الكريم تعليماً وتعلماً، حيث مكث 27 سنة (1947- 1974م) في مدرسة شيخه سيدي مولاي أحمد الطاهري بسالي يتلقى العلم ويدرس الطلبة خليفة لشيخه، وما تبقى من حياته ثلاثون سنة (1974-2004م) قضاها في تدريس القرآن ومختلف العلوم الشرعية بمدرسته في تاسفاوت، فقد وهب نفسه للعلم وكابد لأجله مشاقا لا تطاق وبصبر لا يناله إلا أولو العزم من الرجال، فجلس للتدريس وإدارة الحلقات العلمية كما كلفه بذلك شيخه، وكان بفضل الله تعالى لا يتكلم في باب من أبواب العلم إلا فتح الله عليه من فيوضاته وإمداداته ما يقنع السامعين ويُخرص ألسنة الحساد والمبغضين، فقد كان متضلعاً في علوم الآداب صوفي المسلك متخلقاً بأخلاق الصالحين، وهذا بفضل من الله تعالى، وببركة دعاء شيخه بالفتح على يديه وببركة إخلاصه لله ونيته في خدمة شيخه، وقد تخرج على يديه عدد غفير من الطلبة وحملة القرآن الكريم.

كان شيخنا، رضي الله عنه، لا يكثر من مخالطة الناس ومجالستهم، قليل الحديث إلا في ما يفيد، جريئاً في قول كلمة الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، لا يجامل ولا يحابي أحداً، علاقته بأرباب الأموال والسلطان محدودة جداً، فلم يكن كثير التجوال في البلدان ولا كثير التطواف على الناس، ولم يشاهَد رحمة الله عليه طيلة حياته واقفاً عند باب أحدهم أو ماداً يده له طالباً منه نوالاً، ولم يعين طول حياته في وظيفة رسمية ولم يتلقّ أي راتب من السلطة، رغم ما قدمه من خدمة جليلة للبلاد والعباد، كان من علماء الجزائر البعيدين عن الأضواء، المخلصين في مسيرتهم الدعوية، تعلموا العلم ليعملوا به ويعلموه، لو أراد المناصب لتقلدها وتدرج في سلالمها، لكن عرف الحق فلزمه، وعلم بأن الدنيا فانية فجد واجتهد في نشر العلم وبثه، إلى أن وافته المنية وهو نهج شيخه غير مبدل أو مغير يوم السبت 20 جمادى الثانية 1425هـ/ 06 أوت 2004م رحمه الله ونفعنا ببركته وعلومه آمين.

كتبه: أ.عبد المالك طاهري

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top