السبت 18 مايو 2024

الإمامة وظيفة أم رسالة؟

ⓒ imam-850x560

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان أما بعد، فقد أشرفت منذ سنوات على باحث متميز، اختار عنوانا جميلا في رسالة الدكتوراه، البدائل الاصطناعية في جسم الإنسان وأحكامها الشرعية، وناقشنا الرسالة وحاز صاحبها شهادة الدكتوراه بتقدير مشرف جدا، مع تهنئة الباحث. والغريب أنني تذكرت هذه “الرسالة” وموضوعها اللطيف فجأة اليوم وأنا أذكر الناس بمكانة الإمام ومنزلته في اليوم الوطني للإمام.

ووجه تذكر الرسالة أن لها علاقة بموضوع الذكاء الاصطناعي، لأن البدائل الاصطناعية هي نتيجة للثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم ومنها ما يعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي.

وقرأت كما قرأ غيري ذلك القلق الذي أصبح يراود أهل السياسة والاقتصاد وعلماء الاجتماع وغيرهم حول مخاطر الذكاء الاصطناعي وآثاره الكبيرة في السنوات القادمة، وقد كشف الخبراء أن كثيرا من الوظائف التي يزاولها الإنسان ستزول ويحل محلها “الإنسان” الآلي، كالسائق، والبائع، والمذيع..

وقلت في نفسي، ماذا لو كان هذا الآلي، “إماما”، يشغل وظيفة الإمام ويبرمج بواسطة الذكاء الاصطناعي، على أداء تلك الوظيفة فيؤم الناس، بقراءة صحيحة مرتلة، ليس فيها لحن أو خطأ، ولا يتوقع منه السهو والنسيان في الركعات، ويزاول تعليم الناس وإرشادهم والإفتاء لهم، ولك أن تفرض هذه النازلة في وظيفة المعلم، والطبيب، وغيرهما.

هذه نازلة متوقعة مع هذا التقدم الهائل، وفقهاؤنا قالوا بجواز بحث المسائل المتوقعة التي يظن وقوعا. والحقيقة أن هذا التوقع صحيح إذا كانت “الإمامة” وظيفة، والحقيقة أن الإمامة رسالة شريفة، ورتبة منيفة، بل هي أرفع مراتب الإسلام، وهي منزلة اتباع واقتداء، يتولاها من حازوا الفضيلتين الكمال والتكميل، وينتصب لها من فازوا بالفضيلتين، العلم والعمل، ولهذا تولاها الأنبياء والمرسلون، وورثها عنهم العلماء العاملون، ويكفي دلالة على هذا أن “الإمام” في تصاريف العربية ومعهود خطابها هو كل من اقتدي به وقدم في الأمور، فالإمام “القدوة”، وقد أوضح هذا المعنى في الاشتقاق، إمام المتقين حين قال:” إنما جعل الإمام ليؤتم به”

نعم، قد يخترع علماء الذكاء الاصطناعي “إماما آليا” يناسبهم في أداء الوظيفة، ولكن أهل الإسلام يقومون بإعداد “الإمام” الإنساني الرسالي الذي يجعل الإمامة رتبة شرف، تتحقق بها وظيفة النبوة من الهداية، والتعليم والإرشاد، وتحصل بها التربية والتزكية بلسان الحال قبل المقال، ويقوم الإمام بهم في محراب النبوة ليشعروا بمعاني الخضوع والتواضع والتذلل، فيستضيوا بنور الوحي ليكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم.

وقديما سئل أحد الأبناء والده الواعظ فقال له: ” يا أبت مالك إذا وعظت الناس بكوا وإذا وعظهم غيرك لم يبكوا”. فقال له والده:” أي بني ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة”.

قلت: وليست إمامة الوظيفة كإمامة الرسالة، وليس الإمام الآلي مغنيا عن الإمام الإنساني.

هنيئا لإخواني الأئمة تكريمهم بهذا اليوم، وهم يؤمون الناس كل يوم، فهم حراس الفضيلة ودعاة الخير ورعاة المعروف.

وشكر الله تعالى القائمين على هذا القطاع وأسأل تعالى أن يعينهم على هذه الأمانة وبارك الله في الجميع.

@ بقلم: أد. نورالدين بوحمزة

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top