السبت 04 مايو 2024

بعد 66 عاما.. الشهيد مصطفى بن بولعيد يلهم أسرى سجن جلبوع إرادة الحرية

ⓒ 01-3

بين خريفي 1955 و2021 يمضي نحو 7 عقود من الزمن الثوري، وما بين فلسطين التاريخية والجزائر بعُدت المسافات بمقاييس الجغرافيا، ولكن أبطال الحرية في كل جيل قومي يصنعون الملاحم الأسطورية ذاتها، لأنهم ينهلون من مشكاة واحدة لقيم الكرامة والمقاومة الباسلة للاحتلال مهما كان عنوانه، ولم تتسرّب إلى عقيدتهم الجلمودية مقولات “القوة التي لا تقهر”.

لذلك ألقى تمكّن 6 أسرى فلسطينيين من انتزاع حريتهم، والفرار من زنازين سجن جلبوع الإسرائيلي؛ صداه التاريخي بين رموز النخبة على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، مُستحضرين بطولة مماثلة لرفاق الشهيد مصطفى بن بولعيد؛ أحد أبرز مهندسي ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962).

وقرأ الجزائريون الإخفاق الفاضح للاحتلال الصهيوني في تأمين سجن يوصف بأنه الأحدث بناء والأشد تحصينًا في إسرائيل ضمن قاعدة “التاريخ يعيد نفسه”، إذ راهنت فرنسا بدورها على حصانة سجن الكُدية بمحافظة قسنطينة لعزل قادة الثورة، من دون تفطنها إلى أنه لا مستحيل أمام إرادة الحرية، كما علّق مغرّدون في تدويناتهم. فما حكاية فرار “مصطفى بن بولعيد وإخوته 11″؟

بولعيد.. أسد الأوراس
ويصنّف مصطفى بن بولعيد (1917-1956) ضمن أهم شخصيات الحركة الوطنية منذ أربعينيات القرن العشرين، ثم على رأس مفجّري الثورة الجزائريّة لاحقا، إذ تدرّج في كل مسؤوليات النضال السياسي والعسكري، حتى نال لقب أب الثورة وأسد الأوراس (مهد الثورة وأقوى مناطقها).

وكان له دور إستراتيجي في التخطيط والتنظيم والتعبئة، كقائد سياسي وعسكري في مواجهة الاستعمار، فضلا عن تبرّع عائلته الثريّة بكل أموالها إلى ثورة التحرير، ليتكفل بجلب أولى شحنات السلاح من ليبيا، وتخزينه بالجبال في عهد المنظمة السرية الخاصة (1947-1950).

وبمجرد اندلاع العمل المسلح رسميّا في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 حتى جعل الاحتلال الفرنسي القبض على العقل المدبر مصطفى بن بولعيد هدفه الأول، مهما كلفه من ثمن.

وفي غضون 100 يوم، تمكنت القوات الفرنسية من اعتقاله في 11 فبراير/شباط 1955، بعد أيام من السير الحثيث وسط تضاريس طبيعية صعبة وظروف أمنية خطيرة، معتقدا -وقد ضاعت البوصلة- أنه في اتجاه الحدود الليبية التونسية.

وقدم الاحتلال مصطفى بن بولعيد في الثالث من مارس/آذار 1955 لمحكمة عسكرية فرنسية بتونس، التي أصدرت في 28 مايو/أيار التالي حكمها بالأشغال الشاقة المؤبدة.

ثمّ تم نقله إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد في الجزائر أمام محكمة عسكرية في 21 يونيو/حزيران من العام نفسه، ويصدر القرار بإعدامه، وتحويله إلى سجن الكدية الحصين.

لكن رائد الشعب لا يستسلم إلى قدر السجّان، فخاض مصطفى بن بولعيد نضالا مريرا حتى أجبر إدارة المحبس على معاملة مساجين الثورة مثل السجناء السياسيين وأسرى الحرب، وفق ما تنص عليه القوانين الدولية.

وبعد 14 يومًا من الإضراب عن الطعام، تم نزع القيود والسلاسل عن المسجونين داخل زنزاناتهم، مقابل السماح لهم بالخروج إلى فناء السجن، وكان ذلك مكسبًا مهمّا ضمن خطة أشمل اختمرت في ذهن الثوّار، وهي الفرار نهائيّا من قبضة جلاديهم.

مزلاج وقطع صابون
وروى المجاهد الشاهد محمد بزيان أن القائد مصطفى بن بولعيد طلب منهم “تقديم اقتراحات حول الإسهام في الثورة من وراء القضبان أولا، ثم طرح فكرة الهروب، لتأتي الخطة من حجاج بشير، وهو أحد المساجين السابقين بالكدية”.

وردّ المعني بأن “السبيل الوحيد هو حفر نفق في الزنزانة يؤدي إلى الغرفة المجاورة، التي هي عبارة عن مخزن لا يُفتح إلا من حين لآخر، ويؤدي بابه الخشبي إلى فناء ينتهي بحائط يطل هو الآخر على حائط يطل على ممر للراجلين”، حسب توثيق وكالة الأنباء الجزائرية قبل 10 سنوات.

وتمّ تنفيذ الخطة بالإجماع بواسطة مزلاج منتزع من نافذة الزنزانة، وقطع صابون رطب تمّ عجنها بالتراب، لإخفاء آثار القطعة الحديدية التي كانت المجموعة تتناوب بها على حفر الأرضية الإسمنتية، ثم التدليس على تلك الأدوات بمكنسة من الحلْفاء، لأن كل محتويات الزنزانة -إلا هي- تفتش وتغير دوريّا.

وكان عمل الثوّار يوميا بين 11 صباحا والثانية بعد الظهر، مع توقف كل ربع ساعة لتفادي موعد تفقد الحراس، ثم بين الخامسة والنصف والسادسة ونصف مساء، إذ تشهد هذه الفترة تبادل المناوبة الليلية.

وعرفت عملية الحفر صعوبات عدة، منها الصوت في حد ذاته، ثم الأتربة والحجارة الناتجة عنها، كما يؤكده المؤرخ محمد عباس في كتابه “ثوار عظماء”.

وبعد 28 يومًا من المغامرة تحت القضبان، وتحديدا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1955، تمكّن من الفرار القائد مصطفى بن بولعيد، ومعه 11 مجاهدا، هم: محمد العيفة، والطاهر الزبيري، ولخضر مشري، وعلي حفطاوي، وإبراهيم طايبي، ورشيد أحمد بوشمال، وحمادي كرومة، ومحمد بزيان، وسليمان زايدي، وحسين عريف.

صدى التاريخ
وبتجدد قصة الفرار الفلسطيني من الأسر الإسرائيلي، تفاعلت باعتزاز كبير شخصيات جزائرية، من مصاف الأدباء والكتاب والإعلاميين الكبار، مع بطولة الأسير زكريا زبيدي وإخوانه.

وغرّدت أحلام مستغانمي بالقول “هروب 6 أسرى فلسطينيين من أحد أكثر السجون الإسرائيلية تحصينًا وحراسة وتقدّما، عبر نفق حفروه على مدى أشهر، يذكرني بهروب البطل القائد مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية مع 11 سجينا لدى الاستعمار الفرنسي… حتى وإن ألقوا عليهم القبض مجددا، يكونون -وهم عزل- قد هزموا أسطورة التفوّق الإسرائيلي”.

في حين كتبت الناشطة السياسية سميرة ضوايفية أن “الأحرار ملة واحدة على خطى الشهيد الرمز سي مصطفى بن بولعيد، حينما حفر بوابة انعتاقه من سجن الكدية الرهيب، وتحرر مع عشرة من إخوان الكفاح عبر نفق من الزنزانة إلى رحاب الجزائر الحرة، هاهم ستة أحرار فلسطينيون يشقون بإرادتهم الحرة بوابة تحررهم من سجون الاحتلال البغيض”.

ودوّن الكاتب الصحفي عثمان لحياني أن ‏”الحرية غالية تستحق أن تحفر لأجلها الأنفاق بالأظافر، لتحيل جبروت الظالم إلى لحظة ساخرة… ما فعله الأحرار الستة يستكمل ملحمة مماثلة قام بها الشهيد مصطفى بن بولعيد ورفاقه الذين كسروا القيد، وتركوا خلفهم سجن الكدية، عبر نفق وسور، قبل 60 عاما”.

وأضاف لحياني “أن العقل الثوري قادر على إبداع أدوات النضال من اللاشيء، لتوظيف أي وسيلة على بساطتها، لصنع لحظة انتصار حيوية على المحتل”.

أما محمد بوعزارة -أحد الأعمدة التاريخية في الصحافة الجزائرية- فكتب “ما أشبه قصة هروب سجناء المقاومة الفلسطينية اليوم من سجن الكيان الصهيوني المحتل بقصة تمكّن قادة ومجاهدي ثورة أول نوفمبر بالأمس من الهروب من أحد أكبر سجون الاحتلال الفرنسي”.

وأردف “هناك حقيقة تستند إلى علم التاريخ الذي قلما يخطئ وإلى المنطق الثوري في كفاح الشعوب، وهي أن الاحتلال كيفما كان شكله سينتهي إلى زوال”.

وعلّق أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر زهير بوعمامة قائلا “ستة أسرى فلسطينيون أشاوس يقهرون مجددا أسطورة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لقد فعلها آباؤنا المجاهدون في ثورتنا المظفرة بالطريقة نفسها… ويومًا ما سيتحرر كل الفلسطينيين خارج سجن الاحتلال الكبير”.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top