الاثنين 24 يونيو 2024

هل تندلع “معركة رفح” الأخيرة؟

رفح

نتنياهو يحلم بانتصار كاسح في رفح ولو بالتضحية بالأسرى الصهاينة وحماس والمقاومة تمتلكان أوراقًا رابحة يمكنها قلب الطاولة على حكومة العدو

ⓒ رويترز
  • جيش الكيان يشترط على نتنياهو التنسيق مع مصر فهل تسكت القاهرة على الجريمة؟
كاتب صحفي

يشهر جيش الاحتلال الصهيوني أقوى أوراق الضغط لديه في مفاوضات تبادل الأسرى، ممثلة في اجتياح مدينة رفح التي تمثل “المربع الأخير” للمقاومة، بعد شمال القطاع ومخيمات الوسط وخان يونس، مهددا بذلك بارتكاب “حمام دم” سيؤدي لقتل آلاف المدنيين في رقعة جغرافية هي الأكثر كثافة سكانية في العالم، بعد لجوء أكثر من 1.4 مليون من اللاجئين إليها، واستكمال مخطط التهجير القسري، إذ ليس بعد رفح سوى الحدود المصرية.

وازدادت المخاوف الفلسطينية والعالمية، من احتمالية اندلاع ما بات يعرف بـ”معركة رفح”، وارتكاب ما أسمتها حكومة حماس بالمجزرة العالمية، بعد الأنباء التي ترددت عن قيام نتنياهو بإعطاء أوامره للجيش بإعداد “خطّة لإجلاء” مئات آلاف المدنيّين، تمهيدا لهجوم بري للقضاء على كتائب حماس في المنطقة، يراه نتنياهو وقادة الكيان خاصة من اليمين المتطرف، بأنه من دون هذا الهجوم على “آخر معاقل المقاومة”، فلا يمكن لإسرائيل أن تعتبر نفسها قد انتصرت في الحرب، خاصة بعد الفشل المدوي الذي واكب حملة جيش الكيان على القطاع طوال الأشهر الأربعة الماضية، والتي فشل فيها في تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة، بما فيها القضاء على حماس أو تحرير أي من الأسرى الصهاينة.

وبينما تتعالى التحذيرات من الأمم المتحدة وبقية العالم بما فيه الولايات المتحدة، من حصول حمام دم فظيع في حال أصرت “إسرائيل” على تنفيذ تهديداتها، في وقت لا يوجد فيه أي مكان آمن يمكن لقرابة مليون ونصف الميلون نازح اللجوء إليه غير اقتحام الحدود المصرية كما تخطط “إسرائيل”، يتصاعد القصف الصهيوني التمهيدي لمنطقة رفح حاصدا العشرات من الشهداء، مع التركيز الواضح على استهداف قوات الشرطة الفلسطينية في المدينة، في محاولة لإحداث الفوضى وانفلات الوضع الأمني، بما ينذر أن تهديدات نتنياهو بتوسيع الحرب إلى المربع الأخير للمقاومة، في محاولة منه لإطالة مدة الحرب، والبقاء في الحكم لأطول مدة ممكنة، خاصة بعد تهاوي مخططاته في توسيع الحرب نحو الجبهة اللبنانية في الشمال، بعد ظهور أسلحة فتاكة في يد حزب الله، قد تجعل من أي مغامرة إسرائيلية باتجاه الشمال وبالا على الكيان، ما يدفع بنتنياهو وقوى اليمين المتطرف للاتجاه إلى آخر معاقل حماس في محاولة للبحث عن أي صورة نصر، فشل جيش الكيان لحد الآن في تحقيق أي شيء منها.

هل تندلع معركة رفح؟

غير أن إقدام جيش الكيان على تخطي ما بات يسمى بـ”الخط الأحمر” المصري والدولي، في منطقة رفح المكتظة بالنازحين، ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، لما قد تترتب عليه من نتائج كارثية على دولة الكيان قانونيا وسياسيا في ظل المتابعة التي تخضع لها في محكمة العدل الدولية، والتداعيات السياسية الخطيرة التي قد تنجر عنها مع أكبر دولة عربية تربطها بالكيان اتفاقية سلام باتت مهددة جديا بالسقوط في حال تنفيذ المخطط الصهيوني الخطير هذا.

وما يكشف عن صعوبة الإقدام على ما يسمى بـ”معركة رفح”، أن قائد أركان الجيش الصهيوني هرتسي هاليفي، رفض الأوامر المباشرة لنتنياهو باجتياح رفح أو استدعاء قوات الاحتياط مرة أخرى بعد أن تم تسريح غالبيتهم، إلا بتحقيق شرط التنسيق مع المصريين أولا، خشية أن ينهار اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، خاصة وأن هذه الأخيرة قد هددت، بحسب مصادر متعددة، بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد في حال قيام جيش الكيان باجتياح رفح واحتلال ممر فيلادلفيا.

ورغم الاستعدادات الواضحة للجيش الصهيوني لاجتياح رفح، وإبلاغها عددا من دول المنطقة والولايات المتحدة بتلك التحركات، وإعلان الجيش عن استعداده لتنفيذ المهمة، إلا أن قرار دخول رفح عمليا لن يتم إلا عبر اللجنة المشتركة المصرية الإسرائيلية كما اشترط الجيش الإسرائيلي على نتنياهو، وهو ما يعني بكل وضح أن أي عملية عسكرية أو أن “معركة رفح”، لن تكون إلا بالتنسيق والموافقة المصرية، الأمر الذي يجعل من الموقف المصري هنا حاسما ويتحمل مسؤولية تاريخية كبرى، ومعه تتضح حقيقة ما إن كان النظام المصري يدافع فعلا عن القضية الفلسطينية كما يروج دائما، أم أنه يفضل مصالحه مع الصهاينة على حساب الدم الفلسطيني.

وإلى جانب شرط الموافقة والتنسيق مع الجانب المصري، يلعب الدور الأمريكي الرافض، ظاهريا على الأقل، لهذه العملية التي ستزيد من اهتزاز صورة واشنطن عالميا باعتبارها الداعم الرئيس لما يقوم به الكيان من جرائم إبادة وضد الإنسانية، ولذلك يظهر الضغط الأمريكي باتجاه حتمية التنسيق مع المصريين قبل أي عملية في رفح، مؤثرا، خاصة مع حركة خفض التصنيف الائتماني المالي للكيان الذي يعد ضربة لليمين المتطرف ممثلا في وزير المالية الصهيوني سموتريتش.

وتنذر هذه التطورات، أن “معركة رفح” المتوقعة، إما أن تتم وينتصر فيها نتنياهو كما يقول بتحقيق نصر كامل وساحق، ولو بأثمان إنسانية وقانونية وسياسية ضخمة، أو بعزل نتنياهو من طرف الجيش الإسرائيلي بدعم أمريكي، على اعتبار أن نتنياهو وحكومته المتطرفة يراهنون على سحق المقاومة كشرط لبقائهم في الحكم، وأن أي صفقة تبادل وتهدئة تعني هزيمتهم وسقوطهم من كرسي الحكم.

ماذا سيكون موقف مصر؟

ويتطلع الشعب الفلسطيني كله في ظل هذه التهديدات الصهيونية باجتياح رفح، للموقف المصري خاصة وأن جيش الكيان اشترط موافقة مصر قبل أي عملية عسكرية في تلك المنطقة الحساسة، ما يجعل النظام المصري هذه المرة في أصعب امتحان أمام شعبه أولا قبل الشعب الفلسطيني، بعد فشله الذريع في معركة إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح.

ورغم محاولات نتنياهو طمأنة المصريين من جهة أنه لا ينوي تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وأنه يسعى لضمان “ممر آمن” للمدنيين إلى داخل القطاع، وتحديدا في مناطق شمال رفح قال إنه تم تطهيرها ويمكن استخدامها كمناطق آمنة، قبل الهجوم المرتقب، إلا أن الانزعاج المصري يبدو واضحا إلى درجة أن مصر هددت، بحسب ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، إذا اجتاح جيش الاحتلال رفح ودفع سكان غزة إلى سيناء، إلا أن التهديد المصري هذا قد لا يكون جادا بدليل أنه لم يصدر أي بيان رسمي مصري بهذا الشأن، وأن الأمر يتعلق بمجرد تسريبات إعلامية في ظل صمت مطبق من القاهرة، وليس مرجحا أن تتحرك مصر إلا في حال أصرت “إسرائيل” على تهجير الفلسطينيين داخل مصر، أما إذا قامت إسرائيل بدفع الفلسطينيين إلى مناطق أخرى داخل القطاع كما يحاول نتنياهو الادعاء، فليس مرجحا أن تقوم مصر السيسي بأي رد فعل خاصة إذا ما حصل ذلك ضمن تفاهمات اللجنة المشتركة، على غرار التفاهمات السابقة بين البلدين بخصوص عمل معبر رفح الذي انصاعت فيه مصر للشروط الإسرائيلية.

ومع ذلك، يتخوف المصريون كثيرا من النوايا الخفية للحكومة الصهيونية اليمينية، التي عبر عنها هذا التيار مرارا وتكرارا بأنه مع فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء أو إلى أي بلد آخر في العالم، ولذلك جاءت التحركات العسكرية المصرية بتحريك عشرات الدبابات والمركبات المدرعة في شمال شرق سيناء، وإدخال الطائرات للمنطقة، بعكس ما تنص عليه اتفاقية السلام بين البلدين، وهو الوضع الذي تريده إسرائيل أن يشكل ضغطا على مصر لكي تضغط من جهتها على حماس لتخفيض سقف مطالبها في صفقة إطلاق سراح الأسرى.

وحيال هذه التعقيدات التي فرضتها تهديدات الكيان باجتياح رفح، تحدثت أنباء عن خلافات داخل المجلس العسكري المصري، حول الطريقة التي يتعين على الجيش المصري الرد بها على التحركات الصهيونية القاضية بفتح “معركة رفح” على الحدود مع مصر، حيث ظهر في الاجتماع الأخير الذي ضم كلا من عبد الفتاح السيسي، ووزير الدفاع محمد زكي، ورئيس هيئة الأركان أسامة عسكر، ومدير هيئة الاستخبارات الحربية شريف فكري، ومدير المخابرات العامة عباس كامل، وعدد من قيادات المخابرات الحربية والمخابرات العام، انقساما واضحا في الآراء، حيث اصطف كل من السيسي وزير دفاعه ومدير المخابرات مع خيار الحل السياسي وعدم طرح البديل العسكري في مواجهة الوضع، بينما يرى فريق آخر بقيادة رئيس الأركان أسامة عسكر وعدد من الضباط الآخرين، ضرورة التعامل الصارم ولو بالقوة وإلغاء اتفاقية السلام لمواجهة هذه الغطرسة الصهيونية على الأمن القومي المصري.

أوراق المقاومة

وأمام هذا التعنت الإسرائيلي بالقيام بعملية عسكرية مدمرة داخل أكثر المناطق الآهلة بالسكان المدنيين في العالم، رفضت حماس والمقاومة بحسب تسريبات الضغوط الصهيونية هذه لخفض مطالبها في مفاوضات تبادل الأسرى، وأكدت استعدادها لخوض “معركة رفح” إذا ما فرضت عليها، وأن ادعاءات نتنياهو بقدرته على سحق كتائب حماس المتبقية في رفح، لن تنجح كما فشل من قبل في سحق كتائب شمال القطاع والوسط وخان يونس، والتي ما تزال بعد أكثر من أربعة أشهر من العدوان تذيق جيش العدو خسائر فادحة.

وتملك المقاومة حيال هذا الوضع أوراق قوة عديدة، تجعلها غير مستعدة لتقديم أي تنازلات بشأن مطالبها المعروفة برفع الحصار وانسحاب جيش الكيان من القطاع ووقف إطلاق النار ووقف الاعتداءات على المقدسات في القدس الشريف وغيرها، ويمكن إجمال نقاط قوة المقاومة في ما يلي:

1/ احتفاظ حماس بمعظم قوتها العسكرية الضاربة في رفح، حيث تشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 50 بالمائة من قوات حماس توجد في رفح، باعتبارها قوات احتياط استراتيجي، علاوة على أن القتال في رفح قد يتحول، بوجود مئات آلاف المدنيين، إلى مقاومة شعبية واسعة يشارك فيها آلاف المدنيين باعتبارها “المعركة الأخيرة” المفروضة عليهم، حيث لا يوجد مكان آخر آمن يمكن اللجوء إليه، وهو ما سوف يكبد جيش الاحتلال خسائر هائلة على الرغم من أن الخسائر المدنية في المقابل ستكون ضخمة للغاية.

2/ إمكانية استخدام حماس لأسلحتها السرية التي لم تكن تريد استعمالها قبل الآن، لأن تهديد الكيان بالوصول للمربع الأخير للمقاومة، سيفرض على المقاومة استخدام كل ما لديها من إمكانات، قد تصل إلى حد ضرب الكيان في العمق بطريقة مؤلمة، واللجوء إلى الخيار الشمشوني “علي وعلى أعدائي”، ما قد ينذر ببدء حرب التحرير الحقيقية، التي سيشارك فيها كل الشعب الفلسطيني.

3/ اقتراب شهر رمضان الذي بات يشكل رعبا حقيقيا لقادة الكيان، وحتى للولايات المتحدة نفسها، لإدراكهم أن أي عملية عسكرية برية ضخمة وحساسة بهذا الشكل في شهر رمضان، سوف لن تؤدي إلى تصعيد في القطاع وحسب، بل إلى تصعيد إقليمي خطير، وقد أكدت مصادر إسرائيلية أن أمريكا وعدد من الدول العربية، حذرت من خطورة التصعيد في شهر رمضان، وهو ما اعترف به نتنياهو ضمنيا حين شدد على أن العملية يجب أن تتم قبل شهر رمضان، وأن نتنياهو قد أبلغ مجلس الحرب بأنه يجب إنهاء العملية العسكرية البرية في رفح مع حلول شهر رمضان، في العاشر من مارس المقبل، وهي مدة عمليا غير ممكنة، حيث فشل جيش الكيان في خان يونس مثلا منذ أكثر من ثلاثة أشهر في القضاء على المقاومة، فكيف له أن يقضي على المقاومة في رفح التي هي أقوى بكثير في خلال أقل من شهر واحد؟.

4/ الورقة الرابحة الأخرى، هو خطر انفجار الإقليم في حال أقدم الجيش على اقتحام رفح، وقد هددت أجنحة المقاومة المشاركة في المواجهة بالتصعيد، خاصة قيادة الحوثيين، إلى جانب الجبهة الشمالية في لبنان، بعد أن أدخل حزب الله أسلحة إيرانية جد متطورة للمواجهة جعلت من سلاح المدرعات والمدفعية الإسرائيلية خارج الخدمة تماما.

5/ إمكانية دخول جيوش المنطقة في الحرب مباشرة في حال تجاوز الكيان الخطوط الحمراء، وتشير العديد من التقارير عن وجود تفاهمات بين الجيشين المصري والتركي (الذي تطالب حماس بأن يكون الضامن لأي اتفاق تهدئة)، بتزويد الأتراك للمصريين بسلاح المسيرات التركية المتطور لمواجهة التهديد الصهيوني، وهو ما من شأنه أن يقلب المعادلة رأسا على عقب.

6/ ورقة محكمة العدل الدولية والرأي العام الدولي، التي ستشتعل بشكل كبير في حال إقدام جيش الكيان على اجتياح رفح وقتل المدنيين، وقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن طلبت توضيحات مستعجلة من تل أبيب بخصوص الإجراءات التي اتخذتها لوقف القتل والتدمير، الأمر الذي سيجر الكيان حتما، بالإضافة إلى العزلة الدولية، حتى من أكثر الدول الداعمة له، التي بدأت تضيق ذرعا بتصرفاته، إلى تصنيفه دولة مارقة تمارس الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.

7/ إلا أن الورقة الأقوى والأخطر على الإطلاق تبقى ورقة الأسرى الصهاينة الذين ما يزالون بأيدي المقاومة، حيث تهدد حماس، بحسب ما نقلته قناة الأقصى عن قيادي كبير في الحركة، بأن أي هجوم على رفح يعني نسف مفاوضات تبادل الأسرى، ما يعني أن الكيان سيضحي بأسراه رسميا، من أجل تحقيق شهوة نتنياهو في الحكم، وهو ما سيجلب عليه سخط المجتمع الصهيوني الذي يستشعر من الآن نوايا نتنياهو في التضحية بالأسرى وبدأ في الخروج للشوارع بالآلاف للتظاهر من أجل إسقاط حكومة نتنياهو، الذي يبدو وهو الآن كالثور الهائج بسبب فشله الذريع في تحقيق أي شيء من وعوده، لا يفاوض حماس في القاهرة، وإنما يفاوض المصريين في رفح لكي يضغطوا على حماس، وهي السياسة التي تدركها المقاومة جيدا ومستعدة لها دبلوماسيا، تماما كما هي على أهبة الاستعداد العسكري.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top