الأحد 19 مايو 2024

الصهاينة يهددون بـ”اجتياح وشيك” لرفح

اجتياح

المنطقة "على حافة الهاوية" وبصيص الأمل الأخير يحتاج إلى معجزة

ⓒ رويترز
  • تحذيرات عالمية من مجازر مروعة تتجاوز بكثير ما وقع في غزة وخان يونس
كاتب صحفي

بدأ جيش الكيان الصهيوني، بتوجيه من الطبقة السياسية اليمينية المتطرفة في تل أبيب، في تنفيذ التهديدات التي لطالما أطلقها نتنياهو وحلفه السياسي باجتياح منطقة رفح جنوب قطاع غزة، آخر معقل لم يدخل له جيش الكيان في القطاع، والذي يضم حوالي 1,4 مليون من السكان جلهم من النازحين، باعتبار ذلك آخر ورقة بقيت في يد الصهاينة للضغط على حماس والمقاومة في المفاوضات الجارية من أجل تنفيذ صفقة تبادل لإطلاق الأسرى من دون الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار، وتفادي “الهزيمة الساحقة” بدل “النصر المطلق” الذي ظلوا يروجون له، الأمر الذي يهدد في حال لم يتم لجم هذا الجنون الصهيوني، بارتكاب أكبر مجزرة ضد الإنسانية في القطاع وفي العالم كله، قد تنسينا كل ما وقع في شمال القطاع ووسطه من جرائم ضد الإنسانية.

وظهرت ملامح الهجوم الإسرائيلي على منطقة رفح بارزة، منذ صبيحة الاثنين، بعد طلب جيش الاحتلال من السكان الفلسطينيين مغادرة الأحياء الشرقية من مدينة رفح المحاذية لمنطقة الغلاف مع الكيان القريبة من معبر كرم أبو سالم، والتوجه إلى منطقة المواصي الساحلية غرب رفح، بعد الهجوم الصاروخي الكبير الذي نفذته المقاومة ضد تحشدات جيش الاحتلال وخلّف مقتل وجرح قرابة العشرين جنديا صهيونيا، مع نشر خرائط تبيّن طرق الإخلاء، تمهيدا لاجتياح المنطقة أو ممارسة المزيد من الضغوط على حماس لتقديم تنازلات في المفاوضات الجارية بالقارة.

ورغم أن جيش الكيان، ادعى أن العملية المرتقبة في شرق رفح، هي عملية “محدودة النطاق” ومؤقتة، إلا أن النوايا الصهيونية المبيتة من وراء هذه العملية الاستعراضية التي يعارضها العالم كله، بمن فيهم أكبر الداعمين لهم كالأمريكان، تشير إلى أن “العملية المحدودة والمؤقتة” في شرق رفح، قد تتحول في أي وقت إلى عملية واسعة ومستمرة، في حال فشلت المفاوضات الجارية حاليا عبر الوسطاء المصريين والقطريين مع حماس، خاصة وأن التقديرات التي تتحدث عن إجلاء حوالي 100 ألف نازح من منطقة شرق رفح، لا يمكن وصفها بالعملية المحدودة، بقدر ما هي عملية تمهيدية لاجتياح واسع لأكثر المناطق كثافة سكانية في العالم “رفح”، الأمر الذي إن حدث سيؤدي إلى مجزرة مروعة سيبقى يتحدث عنها كل العالم لأحقاب طويلة من الزمن.

وما يؤشر أكثر على بدء هذا الاجتياح لرفح، وإن كان يبدو لحد الآن على الأقل مؤقتا ومحدودا، هو بدء غارات صهيونية مكثفة على المنطقة المستهدفة بالإخلاء، وتهديدات وزير الدفاع الصهيوني يواف غالانت باجتياح رفح “في وقت قريب جدا”، إلى جانب إخبار نظيره الأمريكي أوستن لويد ببدء العملية العسكرية في رفح، في ظل حالة من السعار اليميني الصهيوني داخل الكيان، للذهاب فورا نحو هذا الاجتياح واحتلال غزة بالكامل، الأمر الذي أجبر الآلاف من الفلسطينيين تحت وقع القنابل والتهديدات إلى مغادرة رفح وخاصة المناطق الشرقية منها، في ظروف مناخية سيئة، وفي أوضاع إنسانية غاية في السوء، يمكن أن تتضاعف لو تم الهجوم الكبير على المنطقة التي تعد الممر الرئيس للمساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع.

على حافة الهاوية

وجعل هذا التحرك العسكري الصهيوني نحو تنفيذ تهديدات اجتياح رفح، المفاوضات الجارية بين الكيان وحماس عبر الوسطاء تدخل مرحلة “حافة الهاوية”، بما يهدد بفشلها بشكل كامل، حيث أن بدء عملية عسكرية في رفح يعني وقف هذه المفاوضات كما هددت حماس، وانهيار كامل لكل الجهود التي بذلت من الوسطاء خلال الشهور الماضية.

وتأتي الزيارة السريعة لرئيس المخابرات المركزية الأمريكية إلى الكيان، هذا الاثنين، قادما من قطر وقبلها من مصر، بعد شروع الجيش الإسرائيلي في التمهيد لدخول رفح، لمنع انهيار المفاوضات ونسف كل الجهود التي بذلت لإنجاحها، خاصة وأن المفاوضات كانت قريبة من التوصل إلى اتفاق تهدئة بحسب مسؤولين إسرائيليين، قبل أن يتدخل نتنياهو السبت الماضي بتصريحات استفزازية نسبت إلى “مسؤول سياسي كبير”، دفعت حماس إلى المطالبة بضمانات إضافية، تتعلق بوقف حقيقي وشامل لإطلاق النار، قبل تسليم الأسرى، حتى لا تتعرض للغدر.

وتشير كافة التسريبات إلى أن حالة “حافة الهاوية” التي وصلت إليها المفاوضات، يتحمل مسؤوليتها الأولى والأخيرة نتنياهو شخصيا الواقع كرهينة لحساباته الخاصة، وفي أيدي اليمين المتطرف، وهو ما عبر عنه مرارا وتكرار عن رفضه وقف الحرب، وقراره دخول رفح سواء نجحت المفاوضات أو فشلت، وإصراره على السردية اليهودية التي تجاوزها الزمن عبر استحضار مظلومية جديدة تحدث فيها نتنياهو الأحد الماضي، عن ما سمّاه بثوران “بركان من معاداة السامية” الذي ثار في جميع أنحاء العالم، ورفضه لكل الضغوط الدولية الممارسة ضده لوقف الحرب، ملوحا إلى أنه مستعد للذهاب وحده للحرب ومحاربة الشر البشري، واستعداد إسرائيل للدفاع عن مصالحها بمفردها، في إشارة إلى الرفض الأمريكي لاجتياح رفح.

كما تتمثل حافة الهاوية في أبرز صورها في الإصرار في كيفية تحقيق نتنياهو والصهاينة جميعا لصورة معينة من النصر، ولو كان زائفا، وهو ما لم يتحقق لهم رغم كم الجرائم الذي ارتكبوه بفعل فائض القوة العسكرية لديهم، ويجعل من أي اتفاق يتضمن وقف الحرب دون تدمير حماس وتقديم ثمن باهظ من مئات السجناء الفلسطينيين من ذوي المحكوميات العالية، مقابل إطلاق أسراهم، هو بمثابة استسلام لمطالب حماس كما قال نتنياهو و”هزيمة مروعة” لإسرائيل.

بصيص أمل أخير

وأمام هذه الأوضاع المعقدة للغاية، والمرتبطة بالتصعيد العسكري نحو رفح، وتصلب مواقف نتنياهو المرعوب والمحاصر من كل جهة، إلى جانب تهديدات حماس بتعليق المفاوضات في حال أقدمت إسرائيل فعليا على الدخول إلى رفح، مع إصرارها على مطالبها الرئيسة من وقف للعدوان وانسحاب كامل للجيش من القطاع، تكون المفاوضات والحرب كلها قد وصلت مرحلة حرجة إما أن نذهب إلى اتفاق حقيقي ينهي المشكلة، أو تعود المنطقة كلها إلى نقطة الصفر كما بدأت إلى ما بعد السابع من أكتوبر.

إلا أن بصيصا من الأمل، يبقى يلوح في الأفق، مع توقعات باستئناف المفاوضات هذا الثلاثاء في القاهرة والدوحة، في ظل وجود إصرار أمريكي هذه المرة لتمرير الصفقة لاعتبارات سياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، متعلقة تحديدا باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتنامي الغضب الشعبي خاصة منه الجامعي في مختلف الجامعات الأمريكية رفضا للعدوان على غزة، الأمر الذي يضغط بشدة على صانع القرار في البيت الأبيض لعدم مسايرة جنون نتنياهو وجماعته من أمثال بن غفير وسموتريتش.

وسيكون على الولايات المتحدة، الداعم الأكبر للصهاينة، أن تجد حلا للمعضلة التي وقعت فيها بسبب الدعم اللامحدود لنظام عنصري مثل النظام الصهيوني، حتى لا تنهار كلية صورة الولايات المتحدة في العالم باعتبارها قوة عظمى تحترم القوانين الدولية ولا تدوس عليها كما يفعل قطعان الصهاينة، إلا أن بصيص الأمل هذا يبقى محدودا للغاية، لأن الولايات المتحدة التي أرسلت مدير مخابراتها لمنع انهيار المفاوضات، هي التي تعهدت في بداية هذه الحرب الوحشية بمنع هزيمة إسرائيل، وهي كما بذلت كل ما لديها لتحقيق النصر العسكري وفشلت، تعمل، أيضا، لتحقيق نصر سياسي ولو بالتلاعب بالكلمات والمصطلحات ضمن أي اتفاق مع حماس حول الضمانات الدولية لوقف العدوان.

رفح: الفخ الاستراتيجي

ورغم التلويح والتهديد الصهيوني باجتياح رفح، واستخدامه ورقة ضغط ضد المقاومة وتقديمها كصورة نصر مطلق للجمهور الصهيوني، إلا أن المقاومة لا يبدو أنها خائفة أو مستعدة لتقديم أي تنازلات قد تكون سببا في خسارة تضحيات الشعب الفلسطيني والدماء التي قدمها في سبيل نيل حقوقه، كما أن جل المراقبين بمن فيهم الصهاينة أنفسهم، يحذرون من أن دخول رفح قد يكون أكبر فخ استراتيجي أعدته المقاومة لجيش الكيان، وأنه قد يكون عنوان هزيمة كبرى لإسرائيل، حيث لن يكون بعد رفح مكان آخر يمكن لجيش الكيان المهزوم أن يهدد باجتياحه، وحيث ستكون الفضيحة تنتظرهم كما أكد ذلك رئيس مكتب العلاقات الدولية بحركة “حماس” موسى أبو مرزوق.

فبينما يمني اليمين الصهيوني المتطرف نفسه بإنجاز “النكبة الثانية” عبر احتلال رفح، ومنع عودة النازحين للشمال، والدفع بمئات الآلاف من النازحين للهروب نحو مصر، وإقامة سلطة عميلة تابعة، وبناء مستوطنات دائمة بالقطاع، تهدد عملية رفح في حال تنفيذها في ظروف التكدس السكاني التي بداخلها، إلى انقلاب كبير في مواقف الدول والعالم من وجود دولة الكيان نفسه، وانتقال الغضب الشعبي العالمي إلى مستويات أخرى لن تتمكن بعده إسرائيل من الوقوف كدولة ديمقراطية تحظى بتعاطف ولو بجزء يسير من العالم، وسيكون على نتنياهو وباقي وزرائه من المجرمين، أن يواجهوا حتما عواقب جرائمهم في المحاكم الدولية ومحكمة الجنايات الدولية التي تستعد لإطلاق مذكراتها بإيقاف مجرمي الحرب الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو مباشرة بعد بدء الهجوم على رفح، كما سيؤدي الأمر إلى تقويض كامل للحلف الغربي الإقليمي الذي دافع عن الكيان من الصواريخ الإيرانية، وينهي للأبد فكرة التطبيع مع العرب وعلى رأسهم السعودية، وربما تطور الأمر إلى أن تضطر واشنطن لنفض يديها من هذا الكيان اللعين عبر وقف تزويده بالسلاح وإسقاط الدرع الدبلوماسي الأمريكي لحماية الكيان في مجلس الأمن، علاوة على مخاطر عسكرية أعظم، تتمثل في انفلات قوى المقاومة في غزة نحو المقاومة الشعبية طويلة الأمد، ودخول القوى الإقليمية المعادية من حزب الله والحوثيين في دوائر صدام أكبر وأخطر، إلى جانب استحالة استعادة الأسرى الصهاينة الذين في حال التخلي عنهم، تكون حكومة نتنياهو قد ضربت بذلك أسس قيام دولة الكيان المبنية على حماية الفرد اليهودي داخل وطن آمن، وهددت الأمن القومي الصهيوني بشكل غير مسبوق، ما يعني بداية تفكك الكيان من الداخل وشروع مئات الآلاف من صهاينة الشتات بالهروب من الكيان الذي تخلى عن مواطنيه إلى دولهم الأصلية التي توفر لهم الأمن أكثر.

إن هذه الحقيقة يدركها الجميع إلا نتنياهو وجماعته من المجانين، اجتياح رفح لن يحقق النصر المطلق ولن يعيد المخطوفين، كما أكد ذلك مستشار الأمن القومي السابق نفسه، الجنرال في الاحتياط غيورا أيلاند، بقدر ما ينطوي على مخاطر عسكرية ودبلوماسية في العالم ومع العلاقة مع الولايات المتحدة، فهل يغامر الكيان بارتكاب أكبر حماقاته منذ وجد بدخول “الفخ الاستراتيجي” الذي أعد له بإحكام في رفح، أم يعود إلى رشده ويقر بالهزيمة؟.

YouTube video

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top