الخميس 16 مايو 2024

مفاوضات وقف الحرب في غزة تحت “القصف والنيران”

مفاوضات

ورقة لبنان تشتعل في مقابل ورقة رفح

ⓒ رويترز
  • المفاوضات تدخل منعرج "عض الأصابع" والكيان يدخلها على طريقة "الصم البكم"
كاتب صحفي

في ظل مفاوضات بطيئة يكتنفها “تعنت” صهيوني كبير من جانب نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف لوقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، دخلت ورقة لبنان معادلة المفاوضات الصعبة بعد اشتعال الجبهة أكثر، في مواجهة رفع الكيان ورقة اجتياح رفح، ما يجعل المفاوضات الدائرة الآن في القاهرة لوقف هذه الحرب المجنونة في منعرج “عض الأصابع” الذي قد تفضي في النهاية إلى حل الأزمة أو توسيع الحرب لتشمل كامل المنطقة.

وبعد حالة التفاؤل التي سادت الثلاثاء الماضي سير هذه المفاوضات غير المباشرة، بين حماس والكيان، بوساطة مصرية قطرية أمريكية، والتي حضرها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” ورئيس الموساد الإسرائيلي ورئيس الوزراء القطري، ومسؤولين مصريين، عادت المخاوف من فشلها من جديد، بعد عودة الوفد الإسرائيلي المكلف بالتفاوض من القاهرة إلى إسرائيل دون أن يحقق شيئا، ودون أن يتحدث أصلا أو يقدم أي مقترحات، في وقت  يبدو فيه أن الطرف الصهيوني قرر أن يفاوض بلغة السلاح عبر التهديد باجتياح رفح وارتكاب مجزرة دموية بين المدنيين، قبل أن يأتيه الرد من المقاومة الفلسطينية في الميدان التي أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى الصهاينة في كمائن محكمة شرق خان يونس، ومعها دخول ورقة جنوب لبنان في المعادلة بشكل واضح، بعد الضربات الدقيقة التي وجهها حزب الله للقواعد العسكرية الصهيونية في شمال الكيان، وتأكيد حسن نصر الله أن الحزب لن يتوقف عن استهداف شمال الكيان دون رضوخ الكيان لشرط وقف إطلاق النار في غزة.

مفاوضات في أجواء ملبدة

وجرت الاتصالات الأولى في القاهرة بعد وصول الوفد الصهيوني في أعقاب مغادرة وفد حماس ممثلا في خليل الحية، ثم مغادرته هو أيضا، في أجواء أقل ما يقال عنها أنها “ملبدة”، حيث ورغم محاولات الجانب المصري الإيحاء بوجود أمور إيجابية، واستمرار المفاوضات لأيام أخرى رغم مغادرة وفدي الكيان وحماس للقاهرة، إلا أن خلافات كبيرة وعميقة سجلت في الطرفين سيكون من الصعوبة تذليلها، خاصة في ظل إصرار حماس التي سبق وقدمت ردها بشروط عالية، بحسب كل التسريبات على شرط وقف إطلاق وإنهاء الحرب الظالمة على غزة، بينما يرفض الكيان هذا الشرط جملة وتفصيلا، إلى جانب قضايا خلافية جوهرية أخرى يتقدمها موضوع عدد المساجين الفلسطينيين الذين يتعين على الكيان إطلاق سراحهم في مقابل كل أسير صهيوني، أين تصر حماس على مبدأ 15 سجينا فلسطينيا مقابل كل أسير صهيوني على الأقل، بينما يصر نتنياهو على مبدأ ثلاثة مقابل واحد الذي طبق في العملية السابقة.

وبينما تشير تقارير إسرائيلية لاستعداد الكيان زيادة عدد أيام الهدنة في إطار الصفقة المتوقعة، شريطة خفض عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب حماس بإطلاق سراحهم، والذين قد يصلون إلى ألف أسير فلسطيني مقابل 45 أسيرا صهيونيا في الدفعة الأولى فقط، تبقى بقية النقاط الأخرى محل خلاف كبير بين الجانبين أيضا، حيث تصر حماس كما أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية على ضمان وقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع وإنجاز صفقة تبادل جدية.

وكانت “إسرائيل” قبل لقاء القاهرة الأخير، قد سلمت ردها الرافض لمعظم شروط حماس المكملة لاتفاق باريس الإطاري، مشددة على رفضها الكامل إنهاء الحرب بعد الانتهاء من تنفيذ الصفقة، ورفضها الانسحاب من الممر الذي يقسم شمال غزة عن بقية القطاع، ورفضها عودة السكان المهجرين إلى شمال غزة، إلى جانب رفضها رفع الحصار أو وقف اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى.

كما يدور خلاف شرس حول الضمانات الدولية التي طالبت بها حماس لأي اتفاق سيتم إبرامه، حيث طالبت حماس بضمانات دولية تشارك فيها تركيا وروسيا إلى جانب كل من مصر وقطر والولايات المتحدة، وهو ما أثار الجانب الإسرائيلي وحتى الأمريكي والمصري أيضا، فإسرائيل تتخوف كثيرا من الدور التركي في غزة كدولة ضامنة، بالنظر إلى تاريخ تركيا التي كانت تحكم المنطقة زمن الخلافة العثمانية، ويدعمها للأسف في هذا التخوف الجانب المصري أيضا، الذي لديه حساسية فائقة من تركيا بسبب الخلافات الأيديولوجية المرتبطة بموضوع الإخوان المسلمين، والصراع على ثروات شرق المتوسط، ورؤية القاهرة حول ما يسمى بالدولة الفلسطينية “منزوعة السلاح”، بينما ترى أمريكا في دخول الروس للمنطقة كضامن تهديد لدورها الحصري في ضمان حماية الكيان في المنطقة.

مفاوضات الصم البكم

والمثير في هذه الجولة الأولى من المفاوضات بعد القبول المبدئي لطرفي الصراع ورقة باريس الإطارية، مع شروط عالية للطرفين يحاول الوسطاء ردمها، أنها جرت في ظل حالة من الصمت المطبق من جهة الوفد الصهيوني الذي يكون قد تلقى تعليمات مباشرة من نتنياهو بعدم الحديث والاكتفاء فقط بالاستماع، وهو ما أدى لانتقادات واسعة من طرف المعارضة الإسرائيلية على لسان يائير لبيد الذي تساءل عن جدوى المشاركة في هذه المفاوضات “البكماء” والاكتفاء فقط بالاستماع؟.

وأصل هذه الحكاية الغريبة من جانب الكيان حول مفاوضات “الصم البكم” التي أبدعها، أن نتنياهو الذي يكون قد رفض خلال الأيام الأخيرة الماضية، إطارا لاتفاق جديد لتبادل الأسرى، قدمه له رئيسا الموساد والشاباك بموافقة من الجيش، قد قرر تجاوز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمن فيها الجيش والموساد والشاباك التي تميل جميعها لتوقيع الصفقة، وعدم الاطمئنان لتلك الأجهزة، ولذلك بادر إلى إرسال مستشاره السياسي الخاص أوفير فالك، لمحاصرة رئيس الموساد دافيد برنيع، ورئيس الشاباك (جهاز الأمن العام) رونين بار، ومنعهما من إبرام أي صفقة أو التحدث بأي مقترحات باسم “إسرائيل”.

ويتضح من حجم الخلاف الكبير بين النخبة السياسية التي يسيطر عليها اليمين المتطرف، الذي لا يملك أدنى خبرة عسكرية أو أمنية تقدر حجم المخاطر التي يواجهها الجيش والأجهزة الأمنية في مواجهة المقاومة في غزة، وبين النخبة الأمنية والعسكرية التي تدرك خطورة الاستمرار في نهج المواجهة الشاملة، أن نتنياهو وحكومته لا يرغبون في إنجاز أي صفقة تبادل خوفا على مناصبهم ومستقبلهم السياسي، خاصة بالنسبة لنتنياهو الذي قد يواجه السجن على خلفية تهم ثقيلة تلاحقه.

مفاوضات تحت النار

الأكثر إثارة في موضوع المفاوضات الجارية حاليا، أن الجانب الصهيوني بدعم أمريكي واضح، يريد أن تتواصل تحت النار لمزيد من الضغط على المقاومة من أجل خفض سقف مطالبها، وهو الأمر الذي عبر عنه الأمريكان بكل وقاحة عندما أكدوا أن الغارات الجوية الإسرائيلية على رفح يجب ألا تؤثر على المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بشأن إطلاق سراح الرهائن، وهذا يعني أن واشنطن أيضا مهتمة بالدفع بالمفاوضات في القاهرة تحت النار.

ورغم التحذيرات الدولية الواسعة من إمكانية وقوع مجزرة كبرى في رفح في حال اجتياح جيش العدو للمنطقة المكتظة بالسكان، ورغم مساعي دولة جنوب إفريقيا للدفع بقضية الهجوم على رفح مجددا في أروقة محكمة العدل الدولية، إلا أن ارتفاع وتيرة القصف الجوي على رفح، إلى جانب استمرار المعركة في خان يونس وبقية مناطق القطاع الأخرى بشكل وحشي، أين تلعب فيه الدرونات الدور الأساس في استهداف المدنيين، مع استهداف المراكز الصحية وخاصة المستشفيات بشكل خاص، ومنها مستشفى ناصر الرئيسي في خان يونس، الذي هو بصدد تكرار سيناريو مستشفى الشفاء الدامي في الشمال، يجعل من مفاوضات القاهرة “الصماء والبكماء” لحد الآن سياسيا من جانب الكيان، عالية الصوت عسكريا من خلال القنابل وعمليات التدمير الشامل.

شمال الكيان مقابل جنوب غزة

وحيال هذا الوضع الصعب، ورفع الكيان ورقة الهجوم على رفح للضغط على حماس وإجبارها على خفض سقف مطالبها، اشتعلت الأربعاء بشكل غير مسبوق الجبهة اللبنانية مع الكيان، لتكون بذلك ورقة محور المقاومة في مواجهة الورقة الصهيونية في رفح.

وكان لافتا أن استهداف حزب الله لمراكز عسكرية قيادية حساسة للغاية في شمال الكيان بينها القيادة الشمالية وقاعدة جوية في ميرون وقاعدة عسكرية بصفد لأول مرة بهذا الشكل، حيث استعمل صواريخ دقيقة فشلت القبة الحديدية الإسرائيلية في التصدي لها، كان ردا على تهديدات الكيان باجتياح المربع الأخير للمقاومة في رفح، الأمر الذي قد يخلط كل الأوراق مرة أخرى، ويعطي لمفاوضات القاهرة توازنا أكثر يمنع الكيان من فرض شروطه أو الانتصار في هذه المعركة المصيرية.

إلا أن الرد الصهيوني على هجمات حزب الله الصاروخية على شمال الكيان، من خلال القصف الواسع النطاق الذي شرع فيه سلاح الجو الإسرائيلي على جنوب لبنان، من شأنه هو أيضا أن يغير قواعد الاشتباك في الشمال، وربما معادلة الحرب كلها، إلى توسيع الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية مدمرة.

بهذا تكون المقاومة إلى جانب المحور كله، قد أرسلت رسالتها للكيان بأن جنوب غزة (رفح) يساوي مباشرة شمال الكيان، وأن أي عملية برية في رفح لتغيير المعادلات القائمة، ستكون ضريبتها غالية في شمال الكيان، وما يعطي لهذا المنطق قوته، أن اشتعال جبهة الشمال بهذا الشكل جاءت مباشرة بعد خطاب حسن نصر الله الأخير، الذي هدد فيه بتحويل 2 مليون صهيوني من سكان الشمال إلى لاجئين في حال تجاوز الكيان الخطوط الحمراء في الرد، ومؤكدا أن وقف الحرب مع لبنان لن يكون إلا بوقف إطلاق النار في غزة، في معادلة ردع عالية، ومنعا لاستفراد الكيان بمقاومة غزة في مفاوضات القاهرة التي تتواصل على وقع النيران والتدمير الشامل.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top