الاثنين 20 مايو 2024

مغالطات المخزن حول البيعة ومسألة الحدود

ⓒ 54555

إنْ كان المخزن المغربي قد نجح في شيء ما وسط أكوام الفشل التي تحيط به من كلّ جانب فهو نجاحه في صناعة الأساطير وإنتاج الأكاذيب ثمّ تحويلها إلى حقائق راسخة في أذهان فئة من الشعب المغربي وحتّى بعض أشباه النّخبة أو لنقل “نخبة البلاط”.

هذه الأكاذيب التي أنتجت لنا مغربا إمبراطوريا بحدودٍ لم يحلم بها حتى الاسكندر المقدوني، خزعبلاتٌ يتمّ التّرويج لها عن طريق التلاعب بالمصطلحات ووضعها في غير سياقها، بطريقة غبيّة ومفضوحة.

من تلك المصطلحات التي يبني عليها المخزن تلك الخرافات هي “مصطلح البيعة” والزّعم بأنّها حجّة دامغة على تبعيّة بعض الأقاليم للتراب المغربي.

قد سمعنا مثلا كلاما ردّدته قبل مدّة ليست بالبعيدة مديرةُ الوثائق الملكية بهيجة سيمو حول ما سمّته بالصّحراء الشرقيّة التي تزعم أنّها كانت ضمن التُّراب المغربي معتمدةً على “عقد البيعة”، فهي تعني بكلامها أنّ تلك الأقاليم الواقعة جنوب غرب الجزائر، و التي رسم الجزائريون حدودها بدمائهم، ورفضوا  أن يتخلّوا عن أيّ شبر منها في اتفاقيات إيفيان هي أراض مغربية.

نفس الكلام لا تزال كثيرٌ من الأبواق المخزنية عبر منابرها الإعلامية ووسائط التواصل تسعى إلى تكريسه والترويج له عملا بقاعدة: اكذب ثمّ اكذب حتّى يصدّقك النّاس.

بعيدا عن هذا الهراء الذي لا يصمد أمام “مبدأ الحدود الموروثة” أو ما يسمّى أيضا بمبدأ “نهاية الحدود واستقرارها”، وهو أحد المبادئ الراسخة في العلاقات الدولية والقانون الدولي المعاصر، وذلك تطبيقا لقاعدة “الأمر الهادئ يجب عدم تحريكه”. وهي أيضا المبادئ التي أقرّها الزعماء الأفارقة في منظمة الوحدة الإفريقية، ثمّ سطّروه ضمن بنود القانون الأساسي للاتّحاد الإفريقي.

إنّه لمن السّخافة أن نستعمل مصطلحات الدّولة السلطانية التي أكل عليها الدّهر وشرب، كمصطلح “البيعة” في صدد معالجة قضايا تخصّ الدولة الحديثة والمعاصرة، وكأنّنا بذلك نفعل مثل الذي يريد أن يقود سيّارةً حديثةً دون رخصة سياقةٍ بل فقط بالرّسن الذي ورثه عن جدّه، وهو لا يعلم أنّ قيادة الحمير ليست كقيادة السيارات.

وما دام المخزن يرغب في اعتبار البيعة عقدا ملزما وحجّة دامغة لإثبات ملكيّته لبعض الأقاليم، فدعونا نعرّفه بماهيّة “عقد البيعة” وما هي تبعات هذا العقد الذي سيتحوّل إلى حجّة ضدّه لا له.

البيعة الشرعية أم البيعة الكسرية؟

أوّلا دعونا نتساءل : هل يقصد المخزن بمفهوم البيعة ما هو مسطور في كتب الأحكام السلطانية، والتي هي مجرّد أحكام وآراء تنظيرية طوباوية بحدّ تعبير المفكر المغربي عبد الله العروي أم أنّهم يقصدون بذلك البيعة الكسروية بحدّ تعبير ابن خلدون!

إنّ البيعة بمفهومها الشّرعي يُعرفها الفخري والماوردي في الأحكام السلطانية و ابن خلدون في مقدّمته بأنّها (العهد على الطّاعة). أي أنّها عهدٌ بين الرعية ووليّ الأمر، وطاعة في المعروف مشروطة بصون الشريعة وحفظ الثغور وإقامة العدل.

إنّ البيعة التي نظّرت لها كتب السياسة الشرعية والتي مردّها إلى التَّشاور والاختيار قد آل بها الأمر إلى الإكراه والإجبار، وانتهت واقعا مع زوال دولة الخلافة الرّاشدة، وبقيت فقط كتنظيرات طوباوية في صفحات الكتب ومُخيّلة أنصار “الخلافة الإسلامية”، ويشير ابن خلدون إلى ذلك بقوله: “أمّا البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحيّة الملوك الكسرويّة “.

فالبيعة كعقد شرعي لم تعد موجودة منذ آماد بعيدة، وما حدث من بيعات طيلة تاريخنا الوسيط هي مجرّد “تحصيل حاصل”، أي أنّها قبولٌ بحكم المتغّلب و الدخول في طاعته.

استدلال بالبيعة مع إغفال شروط المبايع له:

إنّه لمن سخريات الواقع أن يحتجّ المخزنُ الذي يسعى جاهدا إلى طمس معالم الإسلام في المملكة المغربية بعقد البيعة كعقدٍ شرعي لا يجوز الخروج عنه أو المخالفة فيه. مع أنّه يعلم أنّ البيعة بمفهومها الشرعي لو تمّ اعتبار مضامينها لكانت وبالا على الأسرة العلوية ودليلا على ضرورة خلع أولئك السلاطين. فيكفي أن نقرأ ما قررته كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية من شروط البيعة وأسباب انتقاضها، والتي أشار إليها الباحث المغربي محمّد فلاح العلوي في مقال بمجلة دعوة الحق يحمل عنوان: “البيعة في نظام الحكم بالمغرب: الجذور  والامتدادات”، حيث ذكر أنّ من الشروط التي تهم شخص المبايع له: (حفظ الدين-تنفيذ الأحكام-حماية بلاد المسلمين-إقامة الحدود-تحصين الثغور-جهاد من عاند الإسلام)، نفس الشروط ذكرتها بهيجة سيمو في كتاب”البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، أي أنّ انتفاء هذه الشروط يوجب خلع السلطان المبايَع وتنصيب من تتوفّر فيه الشروط؟

فما قول الشرّع فيمن رضي بالحمياة الفرنسيّة وتنازل عن مدن سبتة ومليلية وكثير من الجزر المغربية، وطبّع مع الصهاينة وتحالف مع أعداء الأمّة، وتجسس على بلدان المسلمين واعتدى على إخوانه المستضعفين، وحوّل بلاده إلى وكر للرّذيلة، ووزير العدل في مملكته يُشكّك في أنساب الشعب ويؤصّل للزنا تحت اسم العلاقات الرضائية، ويمهّد للتعايش مع الشذوذ والمثلية؟ لا أريد أن أتعمّق أكثر وأتحدّث عن وجوب خلع السلطان إذا ظهر منه فسق وانحراف؟

وبما أنّه يستحيل أن يقصد المخزن بكلامه “البيعة بمفهومها الشرعي” التي اختفت مع زوال دولة الخلافة الراشدة، فهو أكيد يتحدّث عن بيعةٍ من نوع آخر، هي بيعة  المتغلّب التي ظهرت مع ظهور الدّولة السلطانية، والتي يصفها ابن خلدون بالبيعة الكسرويّة، هذه البيعة التي يكون الغرض منها تحقيق الاستقرار وتفادي غضب السلطان أو الفوضى الناجمة عن خلعه.

البيعات الظّرفية هي بيعات مؤقّتة:

إذًا دعونا نتّفق على أنّ المخزن يقصد بلفظ البيعة ما يُعرف في كتب التاريخ ببيعة المتغلّب والتي هي كما قلنا مجرّد تحصيل حاصل، تختلف أحكامها زمانا ومكانا وعرفا، فالبيعة التي كانت تحدث في بلاد المغرب الأقصى هي بيعات ظرفيّة تنقضي بوفاة السلطان المبايع له، وهو ما يؤكّده الأستاذ أحمد التوفيق في كتابه “المجتمع المغربي في القرن 19م أنولتان 1850-1912م” والذي أفاد أنّه بمراجعة البيعات فإنّ عُرف المغرب الأقصى يؤكد أنّ وفاة السلطان قد تكون رمزا للتحلل من عقد البيعة الذي هو نظريا في عنق الرعية، فأغلب الانتفاضات التي تقوم بها القبائل تأتي مباشرة بعد وفاة السلطان، لذلك يحرص السلطان الجديد على انتزاع البيعات من أكبر عدد من المناطق.

ويؤكد المفكر المغربي عبد الله العروي هذا الكلام عندما يقول أن السلطان أول ما يتحصل على البيعات يسعى إلى تأكيدها من خلال مقاتلة المتخلفين عن الطّاعة.

فمعنى هذا الكلام أنّ بيعات المناطق تدلّ على طاعة السلطان المبايع ولا تفيد بتبعية البلاد لأرضه، وهي تنقضي وتزول بوفاة ذلك السلطان، فلا بدّ من تجديدها حتّى تبقى سارية المفعول.

أمّا إن قلنا بدوام سريان تلك البيعات فيجب على المغرب أن يتقبّل فكرة “جزائرية وجدة وإقليم تافيلالت” بحكم مبايعة أهلها لسلاطين تلمسان طوال الفترة الزيانية، وأن يقبل بتبعية المغرب الأقصى لدولة الجزائر بحكم دخول المتوكل السّعدي وأخيه المنصور الذهبي في أوائل أيام دولتهما تحت طاعة حكام الجزائر الذين ساعدوهما في تحقيق نصر كبير ضدّ اسبانيا والبرتغال في معركة وادي المخازن. وعلى المخزن أن يقبل أيضا بتبيعة فاس لاسبانيا بحكم بيعة أهل فاس للمستنصر الأندلسي، وأن يُقرّوا بتبعية مراكش وكل مدن المغرب الأقصى لموريتانيا بحكم مبايعة تلك المدن لدولة لمتونة؟

بيعات خاصّة تمثّل أصحابها:

زيادة على أنّ تلك البيعات التي يستدلّ بها المخزن هي بيعات ظرفيّة تنتهي بوفاة السلطان أو ظهور ما يوجب خلعه والتمرّد عليه، فإنّ تلك البيعات ليست بيعات عامّة بل خاصّة تُلزم أصحابها، لذلك لم يكن أئمّة مساجد تلك الأقاليم يدعون لسلاطين فاس في خطبهم، ولا يشهرون تلك البيعات في منابرهم ومساجدهم.

وقد ذكر الباحث المغربي محمّد فلاح العلوي أنّ البيعات يمكن تصنيفها إلى ثلاث أشكال مختلفة من حيث الشكل: فهناك بيعات طويلة والتي تُذيل بتوقيعات المبايعين وهي غالبا ما تكون للمدن الكبرى(العواصم) فاس ومراكش والرباط، وهناك البيعات القصيرة والتي تكون للمدن الصغرى وبعض القبائل، وهناك بيعات لا تُذكر فيها سوى قوائم بأسماء المبايعين وتوقيعاتهم. وقد اعتبر محمد فلاح العلوي أنّه فقط النّوع الأوّل الذي يمكن أن نعتبره بيعة من حيث الشّكل العام.

البيعات على الجهاد لا تعني ملكيّة البلاد:

ومن السخافة والبلادة ما يستدلّ به بعضهم من أنّ البيعات التي وردت عن عدد من أعيان إقليم توات وبعض الأقاليم الجزائرية وكذا ساكنة الصحراء الغربية وموريتانيا تؤكّد تبعية تلك الأقاليم للمغرب الأقصى، مع أنّ حدود المغرب الأقصى الجغرافية قد حدّدها الجغرافيون منذ أمدٍ بعيد، وقد وضّحها النّاصري في الاستقصاء وقبله عبد الرحمن ابن خلدون في تاريخه.

 وأمّا تلك البيعات التي يتحدّثون عنها فحدثت في ظرف خاص عندما كان ساكنة تلك المدن يتأهبون للتصدّي للاستعمار، فبعضهم كان يراسل سلاطين فاس معلنا لهم الولاء مقابل دفع الأعداء، وآخرون كانوا يزعمون أمام مبعوثي الاستعمار أنّهم تابعين لسلطان فاس ظنّا منهم أنّ ذلك سينجيهم من الاحتلال.

كما أنّ بعض الأعيان قد رأوا في سلاطين فاس أنّهم أقرب سلطة شرعية يمكن أن تقودهم إلى الجهاد في ظلّ الفراغ الذي أحدثه سقوط دولة الجزائر، فهي بيعة مشروطة تعني المبايعة على الجهاد ومقاتلة الأعداء وتطهير البلاد.

وهو ما تؤكّده رسالة أهل شنقيط مثلا إلى السلطان عبد العزيز التي طلبوا فيها منه العون في مقاومة الاحتلال ومما ورد فيها: “استغاثوا بك واستنصروك، واستنجدوك واستعدوك والأهم عندهم مسألتان: العدة الوروارية، وواحد منكم يكون هو النائب عنكم، ليدفعوا به هؤلاء النصارى عن أراضيهم”.

ونفس الشيء حدث مع ساكنة تلمسان كما ينقله عنهم الناصري في كتاب الاستقصا حيث قال: “ولما وقع بأهل الجزائر ما وقع، أجمع أهل تلمسان وتفاوضوا في شأنهم واتّفقوا على أن يدخلوا بيعة السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله…فتقدموا إلى عامله بوجدة القائد أبي العلاء إدريس بن حمان الجواري وعرضوا عليه أن يتوسط لهم عند السلطان في قبول بيعتهم والنظر لهم بما يصبح شأنهم ويحفظ العدو من جانبهم ثمّ عيّنوا جماعة منهم للوفادة على السلطان”..ويخبرنا الناصري أنّه بعد أن أفتى جلّ علماء فاس بعدم قبول البيعة كتب أهل تلمسان إلى السلطان عبد الرحمن يخبرونه فيها أنّ خليفة المسلمين في اسطمبول لا يمكنه الوصول إليهم وإغاثتهم، ومما جاء فيها قولهم: “ومعلوم على أنّ الإمام إذا لم يَنْفُذ في ناحية أمره جاز إقامة غيره فيها ونصره، فانتظار نصرته تؤدي إلى الهلاك”.

أي أنّ ساكنة تلمسان حين فقدوا الأمل في نصرة الخليفة العثماني بايعوا السلطان المغربي لأجل قيادة الجهاد والقتال تحت رايته.

 لكنّ الذي حدث أنّ سكان هذه المدن أدركوا عجز سلاطين فاس عن إنجادهم بل بعضهم ثار ضدّ هؤلاء السلاطين لما رأى خنوعهم وضعفهم، وهو ما فعله ساكنة تلمسان وساكنة وجدة الذين بايعوا الأمير عبد القادر ودخلوا في طاعته، ومثل الشيخ ماء العينين الذي خلع السلطان عبد العزيز، ثمّ ابنه أحمد الهيبة الذي قاد الجهاد ضدّ الفرنسيين والإسبان فور توقيع السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ اتفاقية فاس عام 1912م والتي تنصّ على دخول المغرب تحت الحماية الفرنسية. فدخل مراكش بجيشه الذي سُمي بالجيش الأزرق بسبب ملابسه الصحراوية الشائعة حينها، وبايعه جميع أهل السوس وهي البيعة التي قال عنها الطاهر الأفراني:

الحمد لله جاء النصر والفرج   وزال عنا بهذه البيعة الحرجُ

فهذه بيعة عمّت مسرّاتها   وتمّ في أفق العليا بها الأرج

وبذلك أعلن الشيخ أحمد الهيبة  نفسه سلطانا شرعيا بعد إذعان السلطان المغربي لنظام الحماية. وقد استحقّ السلطنة حينها بعد أن قام بأعبائها، فجاءته بيعة القبائل والأقطار طوعا لا كرها وبايعته كما يقول المانوزي صاحب المعسول: “كلٌّ من قبائل بعمرانة وهشتوكة والأخصاص ومجاط وافران ولتيتة وجبال جزولة وأقا وازغا”ر…ثمّ يضيف قائلا: “فجاؤوا إليه مهرعين ومن كل حدب ينسلون من السودان إلى شنقيط …إلى مراكش ولم يتوقف أحد عن مبايعته..”. فلو اعتمدنا على عقد البيعة لقلنا أنّ مراكش وبلاد السوس تابعة لموريتانيا”.

البيعة المشروطة تنتقض بالإخلال ببنودها:

إنّ المخزن يتشبّث بعقود ومراسلات ظرفية تتحدّث عن بيعات مشروطة، وهو يدرك جيّدا معنى قولنا “البيعة المشروطة” فهو المصطلح المرادف لعبارة “البيعة الحفيظية” التي انعقدت للمولى عبد الحفيظ سنة 1908م، وذلك عندما خلع علماء المغرب الأقصى أخاه المولى عبد العزيز وبايعوه على شروط في مقدمتها إلغاء بنود معاهدة الجزيرة الخضراء، وتحرير الثغور الأجنبية، كردّة فعل على قيام السلطان عبد العزيز المصادقة على ما أبرمه ممثلوه في مؤتمر الجزيرة الخضراء.

 ويتحدّث علال الفاسي عن هذه البيعة قائلا: بويع عبد الحفيظ أولا بمراكش تحت إشراف الشيخ ماء العينين الذي رأى أن صديقه عبد العزيز قصَّر في حقّ الدفاع عن موريتانيا، ولكن الأمر لم يتمّ إلا بعد بيعة مدينة فاس وذلك منذ 1907م”.

إنّ علماء مراكش وفاس وحواضر المغرب الأقصى قد بيّنوا في فتواهم المؤيّدة لخلع السلطان عبد العزيز ومبايعة أخيه عبد الحفيظ أسباب هذا الخلع وهي الطعن في عدالة السلطان المخلوع و موالاته للكفار مع رفضه الجهاد ضدّهم، وأنّهم يبايعون السلطان عبد الحفيظ على قيادة الجهاد ونقض ما أبرمه عبد العزيز مع الكفار في مؤتمر الجزيرة الخضراء، وشروط أخرى معروفة.

إنّ التشبّث  بعقد البيعة الذي لم يكن ملزما حتّى في العصور الوسيطة حيثُ كان فيها السلاطين والرعيّة يحتكمون إلى الأمر الواقع ويعتبرونها مجرّد تحصيل حاصل لهُو ضرب من المشاغبة.

كما أنّ الاحتكام إلى البيعة كعقد شرعي دون الالتفات إلى ما ينقضها من الخروج عن العدالة وموالاة الكفار وخيانة الأمّة لهو نوع من الانتقائية في دراسة التراث والأخذة منه بالتشهّي.

إنّ عقود البيعة التي صدرت عن بعض  الأفراد أو القبائل في ظروف عصيبة هي أقرب لعقود التحالف والاتحاد منها إلى التبعية الجغرافية، فهي كانت مجرّد بيعات مشروطة بالجهاد والدفاع عن البلاد، لا تخلوا عباراتها من صيغ المجاملة والمغازلة التي تقتضيها الضرورة.

إنّ السؤال الذي يجب على المخزن أن يفيدنا بالإجابة عنه هو: هل وفَّى سلاطين فاس بتلك الشروط؟ وبما أن الجواب هو بالنفي فتكون تلك البيعة مجرّد حبر على ورق، ودليل آخر على تفريط سلاطين فاس في نصرة الإخوان وتقديم يد العون للجيران، “ومن ترك الجهاد لا يستحقّ شبرا من البلاد، فالأرض لمن حرّرها لا لمن تخلّى عنها وباعها”.

الدكتور أمين كرطالي

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top