الخميس 16 مايو 2024

عبقرية حماس فككت “ألغام” إطار باريس وزلزلت الكيان

حماس

المقاومة الفلسطينية أفشلت "المكيدة" بطلب ضمانات دولية موسعة من تركيا وروسيا

ⓒ ح.م
  • المقاومة وضعت نتنياهو بين المطرقة والسندان فلا هو سيقدر على الرفض ولا على القبول
كاتب صحفي

شكل الرد “الذكي” والمفصل، الذي قدمته حركة “حماس” بالتشاور مع جميع فصائل المقاومة في غزة، ما يشبه الزلزال في كل من تل أبيب وواشنطن، بحيث تضمن موافقة “مشروطة” مرفقة بملحق مفصل، على “اتفاق إطار باريس” لتبادل الأسرى والتهدئة بين الكيان والمقاومة، كان من أبرز معالمها اشتراط إنهاء مفاوضات وقف الحرب بشكل شامل قبل نهاية المرحلة الثانية من الخطة المقترحة.

وأظهر محتوى مسودة رد حماس على الخطة المقترحة الذي جاء في ثلاث صفحات، بحسب تسريبات إعلامية موثوقة، أن الحركة التي أخذت وقتها في دراسة الخطة بشكل دقيق والتشاور مع مختلف الفصائل، اقترحت خطة لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل مدة كل منها 45 يوما، تتضمن إلى جانب مبادلة الأسرى والسجناء، ووقف الأعمال القتالية ووقف الاستطلاع الجوي وانسحاب القوات الإسرائيلية بمحاذاة الخط الفاصل، نقاطا في غاية الأهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعاني كثيرا جراء الحرب الهمجية التي يتعرض لها، تتمثل في إعادة إعمار غزة، وضمان انسحاب القوات المحتلة، وأن تشمل المرحلة الأولى من الاتفاق إدخال ما لا يقل عن 500 شاحنة من المساعدات والوقود يوميا، إلى جانب ضمان دخول 60 ألف مسكن مؤقت على الأقل و200 ألف خيمة إيواء، مع عودة النازحين لمنازلهم، وحرية التنقل بين شمال القطاع وجنوبه، ووقف اقتحام المستوطنين للأقصى وعودة الأوضاع في المسجد إلى ما قبل 2002.

كما تتضمن المسودة إلى جانب تلك المطالب، تفاصيل عملية تبدل الأسرى والمساجين، تشمل المرحلة الأولى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة من النساء والأطفال (دون سن 19 عاما غير المجندين) والمسنّين والمرضى، مقابل جميع الأسرى في سجون الاحتلال من النساء والأطفال وكبار السن (فوق 50 عاما) والمرضى، أما المرحلة الثانية فيتم إطلاق سراح الذكور قبل أن تحل المرحلة الثالثة لتبادل الجثث والرفات تنتهي باتفاق لإنهاء الحرب.

ولوحظ في مسودة حماس ليونة ملموسة في ما يخص أعداد السجناء الفلسطينيين الذين تطالب بإطلاق سراحهم، حيث تخلت عن المبدأ المعروف “الكل مقابل الكل”، واقترحت بدلا عنها الإفراج عن 1500 سجين فلسطيني، مع تسمية حماس 500 بينهم من المؤبدات والأحكام العالية، والتي يرجح أن تكون بينها أسماء وازنة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات..

وهنا يتضح ذكاء حماس وفصائل المقاومة كلها، التي أدركت حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء العدوان الهمجي، فقدمت موضوع إغاثة الشعب في غزة وإنقاذ حياة الغزيين على موضوع استرجاع الأسرى، لأن الظروف المأساوية الراهنة تفرض على قيادات المقاومة تقديم أكثر من مليوني إنسان من الشعب الفلسطيني المعرض للإبادة الجماعية على مصير السجناء الفلسطينيين، ومع ذلك فإن اشتراط إطلاق المئات منهم بدل الآلاف لا يعد تراجعا كبيرا في حال تم تنفيذ بقية الشروط الأخرى المتعلقة بإنقاذ الأطفال والنساء من الإبادة وإعادة إعمار غزة.

رد عبقري مزلزل

وما يجعل من رد حماس والمقاومة، ردا عبقريا مزلزلا للكيان وداعميه، أنه لم يرفض الصفقة برمتها كما كان يريد نتنياهو وحكومة الحرب حتى يكون ذلك مبررا أمام قادة الكيان لاستمرار الحرب والإبادة خاصة في مواجهة أسر الأسرى الإسرائيليين الذين لا يتوقفون عن الضغط والتظاهر في الشوارع من أجل إتمام صفقة التبادل، وإنما قبلتها بشروط جاءت في صيغة ملاحظات، وما يدلل على هذا أن حكومة الكيان رفضت الرد الرسمي على الاتفاق الإطاري حتى تتوصل أولا برد حماس، وقد كان توقع حكومة الكيان برفض حماس من أجل تحميلها مسؤولية فشل الهدنة، أمام الداخل الإسرائيلي أولا، وأمام الولايات المتحدة الأمريكية ثانيا، التي تضغط من جانبها لتمرير الصفقة، لأسباب انتخابية وخوفا من توسع دائرة الصراع الذي سيكون على حساب الولايات المتحدة خاصة بعد بدء سقوط الجنود الأمريكان في المواجهات مع أذرع إيران في سوريا والعراق واليمن.

والأمر العبقري الآخر الذي أخلط حسابات الكيان وواشنطن، هو الكشف عن طبيعة الضمانات التي ظلت الحركة تطالب بها لإتمام أي اتفاق، في ظل عدم الثقة الكبيرة بالدور الأمريكي الذي ثبت انحيازه الأعمى في هذه المواجهة إلى جانب الصهاينة، حيث أضافت حماس كلا من تركيا وروسيا إلى جانب مصر وقطر والولايات المتحدة، كضامنين للاتفاق المقترح، وهو ما يجعل الكيان وأمريكا في ورطة كبيرة تمنعهم من إتمام “المكيدة” التي كانوا يحضرونها للمقاومة بمجرد تحرير الأسرى الصهاينة، بما يعني أن فقدان الولايات المتحدة سطوتها على الاتفاق، يجبرها غدا على الرضوخ وتنفيذ بنوده كاملة.

وما يزيد في عبقرية الرد الحمساوي، أن المسودة لم تكتف بموضوع المساعدات وإطلاق سراح المئات من السجناء الفلسطينيين، بل أصرت على موضوع إعمار غزة بعد الحرب، بحيث تكون هنالك خطة واضحة تتضمن تحديد الدول الممولة لعملية الإعمار، المدة الزمنية اللازمة لإتمام تلك العملية الضخمة بحيث لا تتجاوز الثلاث سنوات، بمعنى أن لا تبقى لعشرات السنين وهو ما يجعلها خطة عاجلة أو خطة طوارئ دولية تشارك فيها العديد من الدول الغنية لفداحة الخسائر والمبالغ الكبرى التي يجب دفعها لذلك في حدود عشرات المليارات من الدولارات.

وما يرعب الكيان وواشنطن أكثر من هذا الرد، أنه يتضمن تفصيلات دقيقة لا يمكن التلاعب بها، تتعلق بكيفية تنفيذ المراحل الثلاث، والتي يجب أن تتضمن إنهاء مباحثات التهدئة قبل المرحلة الثانية، مع ضمان خروج قوات الاحتلال من القطاع وبدء الإعمار، وهو ما يسد كل الثغرات الممكنة التي يمكن للكيان وأمريكا التلاعب فيها، ويجعل من أمر التعامل مع هذه المسودة الحمساوية بالنسبة لتل أبيب وواشنطن في غاية الصعوبة، بما يكشف نواياهم الحقيقية، ما إن كانوا يريدون هدنة ووقفا حقيقيا للحرب أم أن الأمر كله مجرد مناورة وفخ استطاعت في النهاية حماس والمقاومة تفكيكه وكشفه.

لقد استطاعت حماس وفصائل المقاومة عبر هذا الرد الذكي تفكيك اتفاق إطار باريس “الغامض” و”الملغم”، والذي كان يهدف بالأساس إلى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة بثمن بخس وهو إدخال المساعدات فقط، وأن حماس بردها ثبتت شرطها بحتمية وقف إطلاق النار في النهاية وسحب القوات عبر جداول زمنية مضبوطة وبتعهدات دولية موسعة، وأكدت على عودة النازحين إلى شمال القطاع مع حرية الحركة في كامل غزة، وهو ما جعل الكيان مباشرة بعد تلقيه هذا الرد الصاعق، يتخبط وفي حالة من اللاتوازن في كيفية التعامل مع هذا الرد الذي فكك كل ألغام اتفاق باريس بطريقة يجعل من المقاومة السياسية والدبلوماسية لا تقل مهارة عن المقاومة العسكرية في الميدان.

تخبط صهيوني أمريكي

وحيال هذا الرد المزلزل من طرف حماس وباقي الفصائل الأخرى، لوحظ أن حجم التخبط وأحيانا الصدمة كان كبيرا وواضحا في كل من تل أبيب وواشنطن، حيث سارع الرئيس الأمريكي في أولى تعليقاته عليه بالقول إن رد حماس “مبالغ فيه بعض الشيء”، فيما دخلت “إسرائيل” كلها بسياسيها وإعلامييها في دوامة تحليل الرد الحمساوي “المتعنت” كما وصفوه، غير أن حالة التخبط تلك ظهرت جلية في الطريقة التي تعامل بها نتنياهو الذي أوكل لبعض مقربيه بداية باسم “مصدر سياسي رفيع في القدس”، للقول بأن “إسرائيل” لن تقبل أي شرط لوقف الحرب، قبل أن يتم محوه وإصدار بيان موجز رسمي عن ديوان رئاسة الوزراء، جاء فيه أن رئيس الحكومة نتنياهو أوكل إلى “الموساد” معاينة ردّ حماس، قبل أن تجتمع الحكومة للسبب ذاته، حيث يواجه الكيان مشكلة كبرى في كيفية التعاطي مع مطالب حماس وعلى رأسها موضوع إنهاء الحرب، إلى جانب قضية إطلاق سراح المئات من المحكومين بالسجن المؤبد.

إلا أن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أكدت الأربعاء، أن نتنياهو وافق على وقف إطلاق النار بغزة خلال الفترات الانتقالية التي تفصل مراحل الصفقة المرتقبة، للحفاظ على استمرارية المفاوضات بين المراحل، إلا أن بقية المطالب الحمساوية التي وردت في مسودتها الأخيرة، تبقى مثار انقسام وتخبط واسعين في الكيان، حيث يعتقد الصهاينة أن حماس ورطتهم بقولها الظاهري للوثيقة الإطارية “نعم”، بينما هي في الحقيقة وضعت شروطا مستحيلة، إلا أن الكيان سيكون مضطرا على ما يبدو للتفاوض مجددا على بعض النقاط في مسار تفاوضي قادم لتفادي الرفض الكامل حتى لا يكون في مواجهة صريحة مع الولايات المتحدة.

ومن المرتقب أن ترد “إسرائيل” على رد حماس بعد أيام من تدارسها “المعمق”، وذلك عبر جهاز الموساد للوسيط القطري، مع احتمالية مرجحة أن يسعى نتنياهو لرفض الصفقة حفاظا على ائتلافه الحكومي ومستقبله الشخصي، لكن لن يكون رفضا صريحا بسبب الضغوط الخارجية وإنما على طريقة “نعم ولكن”، ما يفتح المجال لوقت إضافي من المفاوضات والاتصالات مع الوسطاء.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top