الاثنين 20 مايو 2024

البشير الإبراهيمي يتصدى لمشروع “فرانس-إسلام”

البشير الإبراهيمي

يُعَدُّ الإمام محمد البشير الإبراهيمي واحدًا من أهم العلماء المسلمين الجزائريين في العصر الحديث، وقد وُلد ونشأ في مدينة سطيف سنة 1889، وتع

ⓒ البشير الإبراهيمي
كاتب صحافي

يُعَدُّ الإمام محمد البشير الإبراهيمي واحدًا من أهم العلماء المسلمين الجزائريين في العصر الحديث، وقد وُلد ونشأ في مدينة سطيف سنة 1889، وتعهَّده والده في شؤون التربية والتعليم، فنشأ على الدرس والتعلُّم وحفظ القرآن الكريم.

ولما رأى فيه والده النباهة والإقبال على العلم، ساعده على الخروج لاستكمال تعليمه في الجزيرة العربية والشام، وذلك في رحلة علمية سنة 1911، إذ أقام بالمدينة المنورة حتى سنة 1917 آخذًا على يد علمائها وكُبرائها، ومنها انتقل إلى دمشق التي نهل على يد شيوخها حتى سنة 1921، ثم عاد إلى الجزائر إبَّان نشاط الحركة العلمية الإصلاحية لصديقه العلامة الشيخ المجاهد “عبد الحميد بن باديس”.

انطلقت هذه الحركة مطلع القرن العشرين، ثم تطوَّرت حين عمل الشيخ بن باديس بالتدريس في قسنطينة غداة تخرجه في الجامعة الزيتونية بتونس سنة 1913، وكان لها أعظم الأثر في المجتمع الجزائري الذي رزح تحت مجازر الاحتلال الفرنسي العسكرية والثقافية على السواء.

وقد نضجت هذه اليقظة الروحية والإصلاحية مع عودة بعض العلماء من مهجرهم بالشرق العربي إلى الجزائر، وعلى رأسهم “أبو يعلى الزواوي” و”الطيب العقبي” و”البشير الإبراهيمي”، ثم تبلورت بإنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931، غداة احتفال فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر، اعتقادًا منها أنها قضت على الشخصية الجزائرية نهائيًا بقضائها على الإسلام والعروبة فيها.

الإبراهيمي وفضح مشروع “فرانس-إسلام”

كان الشيخ الإبراهيمي من أشهر العلماء الجزائريين الذين وقفوا ضد التوغل الثقافي الفرنسي في بلاده، وقد أدرك حقيقة كذب دعاوى باريس وزيفها، وقلَّما خلت رسائله من توضيحات بالأدلة والبراهين على حقيقة الخداع الفرنسي وأهداف الاحتلال في بلاده، وعلى رأسها طمس الهوية العربية والإسلامية..

لكن أخطر تلك الدعوات التي رد عليها الشيخ البشير الإبراهيمي كانت توصية رفعها المستشرق الشهير “لويس ماسينيون” (1883-1962) إلى إدارة الاحتلال الفرنسي في الجزائر، ودعت إلى إنشاء لجنة “فرانس-إسلام” التي أراد منها ماسينيون التوفيق بين الإسلام والدولة الفرنسية، واللافت أن الدعوة انطلقت عام 1950، وتُشبه إلى حدٍّ ما الرؤية الفرنسية الحالية للإسلام المتوافق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، التي يُروِّج لها الرئيس الفرنسي الحالي “إيمانويل ماكرون”.

استندت دعوة ماسينيون إلى ضرورة التدخُّل الفرنسي في القضية الفلسطينية بعد نكبة عام 1948، وأن ذلك التدخُّل سيؤدي إلى تقارب الإسلام والمسلمين مع فرنسا، وضرورة مواجهة الاحتلال اليهودي الإسرائيلي بالحديث عن عالمية القدس وتدويل قضيتها، وبَيَّن لحكومته أن ثمة آليات يمكن بها ممارسة النفوذ، ومنها استخدام وتأمين وقف “أبي مدين الجزائري” المُقام في القدس الشريف، بحُكم تبعية الجزائر لفرنسا.

تعجَّب الإمام الإبراهيمي من دعوة ماسينيون وأغاليطه، فثمة تناقض شاسع بين أجندة فرنسا في الجزائر وإظهار احترامها للإسلام ومقدساته ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشريف: “في الجزائر إسلام مُستباح الحمى، منتهك الحرمات، وفي الجزائر أوقاف دينية منقوضة العقود، مهدومة الحدود، وفي الجزائر مشرَّدون شبعوا بالجوع، واكتسوا بالعري، وعلموا بالجهل، وتداوَوا من المرض بالمرض، واستجاروا من الموت بالموت.. في الجزائر أصوات تتصاعد بطلب الحق من فرنسا غاصبة الحق.. فلماذا لم تقع عينك على الشر القريب، ووقعت على الشر البعيد؟ ولماذا لم تعطفي على الإسلام هنا، وعطفتِ عليه هناك؟ ولماذا لم تبدئي بتحرير أوقاف الإسلام في الجزائر، وبدأت بوقف أبي مدين في فلسطين؟ أم أن قلب المستشرق كالإبرة الممغطسة لا تتجه إلا إلى اتجاه واحد وهو الشرق؟”، هكذا تساءل الإبراهيمي.

يمكننا القول، إن ماسينيون يومئذ كان أشهر مستشرق فرنسي تناول قضايا التراث الإسلامي تناولًا مختلفًا عن أقرانه من مبتدئي المستشرقين، وقد عُرِف بالعديد من دراساته المهمة حول التصوف والتشريع الإسلامي، وعلى رأسها دراسته عن “الحلاج” التي اشتهرت في الأوساط الشرقية والغربية معًا، وكان لماسينيون جولات مع كثير من المفكرين العرب والمسلمين، لكن حقيقة استشراقه التي لم تكن علمية صرفة لم تخفَ على العلامة الإبراهيمي الذي وصف ماسينيون وغيره بأنهم “مستشرقون حكوميون” يجعلون العلم خدمة للاحتلال، فهو ممَّن “يجعلون الاستشراق ذريعة لاستهواء الشرقيين المفتونين بالغرب، الخاضعة عقولهم وأفكارهم لعقوله وأفكاره، وأنا أُسمي ثلة من هؤلاء المستشرقين حكوميين تسمية صادقة، فما هم إلا أذناب لحكوماتهم، وما هم إلا موظفون أو مستشارون حكوميون، وما هم إلا تراجمة للحكومات الاستعمارية، يترجمون لها معاني الشرق، ويدلُّونها على المداخل إلى نفوس أبنائه وإلى استغلال أوطانه”، على حد وصف الإبراهيمي.

YouTube video

@ المصدر: الجزيرة + الإخبارية

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top