الثلاثاء 16 أبريل 2024

متى تقف فرنسا أمام المحاكم الجزائية الدولية؟

فرنسا

مرت اثنتان وستون سنة على سلسلة تجارب فرنسا النووية التي نفذتها قوات الاحتلال الفرنسي في الصحراء الجزائرية، حيث جعلت من الجزائريين في الج

ⓒ فرنسا
كاتب صحافي

مرت اثنتان وستون سنة على سلسلة تجارب فرنسا النووية التي نفذتها قوات الاحتلال الفرنسي في الصحراء الجزائرية، حيث جعلت من الجزائريين في الجنوب الغربي، وخاصة في منطقة رقان، فئران تجارب، فلم يسلم من ذلك لا البشر ولا الشجر ولا الحجر، فإلى اليوم ماتزال التشوهات الخلقية بالإضافة إلى حالات الإجهاض والعقم، تطارد سكان الصحراء وهم في بطون أمهاتهم وهي التشوهات التي ما انفكت تلاحق الإنسان والحيوان وربما حتى الجان.

كانت أول تجربة نووية تعرف باسم اليربوع الأزرق ثم اليربوع الأبيض ثم اليربوع الأحمر، وكانت هذه الألوان الثلاثة ترمز إلى راية الدولة الفرنسية، ولكن اللافت للانتباه أن البداية باللون الأزرق لم تكن اعتباطية أو صدفة، بل إن العلم الفرنسي والعلم الإسرائيلي يشتركان في اللون الأزرق، وهذا ما يفضح أمام الرأي العام الاتفاق السري النووي الفرنسي الإسرائيلي، ولكن هذا الاتفاق لم يعد من الأسرار بل قد أصبح من المعلومات التاريخية.

إن باريس لم يكن في استطاعتها أن تدخل النادي النووي لو لم تساعدها تل أبيب في تنفيذ هذه المهمة القذرة، ذلك أن التعاون الفرنسي الإسرائيلي في مجال التعاون الفني والعسكري يعود إلى ما قبل بداية الثورة التحريرية الجزائرية، ولقد تكثف هذا التعاون الحربي بشكل كبير خلال سنوات الثورة، بل إن الجزائر سرعان ما تحولت أرضها في الجنوب إلى حقل لتجاربها النووية حيث كانت إسرائيل تبحث عن أرض تمكنها من تحقيق هدفها النووي وفي النهاية تحقق لها ذلك من خلال فرنسا التي تحصلت على السر النووي من إسرائيل التي مكنتها من ذلك.

لقد قامت فرنسا من خلال قوات الاحتلال وخاصة في الصحراء الجزائرية الكبرى في إطار التعاون العسكري بين باريس وتل أبيب، بتطوير صواريخ متوسطة المدى لفائدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يساعدها في ذلك شساعة الأراضي الجزائرية، إذ ليس بمقدور إسرائيل أن تجرب ذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة ذات المساحة القليلة، وحتى لا تثير الرأي العام المحلي والدولي، كما أن مثل هذه التجارب السرية في مجال الأسلحة الفتاكة يجب أن تكون بعيدة عن الأنظار، خاصة الصحافة الدولية فلم يكن ذلك ممكنا إلا في الصحراء الجزائرية الكبرى التي تحتلها فرنسا، وذلك ما كان يجعلها في كل مرة تطالب خلال المفاوضات مع جيش التحرير الوطني بفصل الجنوب عن الشمال أو فصل الصحراء عن بقية البلاد، فالصحراء الجزائرية ليست غنية فقط بالثروات الطبيعية وإنما تستغل شساعة المنطقة في تجاربها النووية القذرة.

لقد استعانت فرنسا بالخبرة النووية الإسرائيلية مقابل تمكين إسرائيل من تجريب أسلحتها الفتاكة في الأراضي الجزائرية المحتلة، وعلاوة على تبرك فرنسا باليربوع الأزرق الذي يرمز إلى إسرائيل التي تشترك مع فرنسا في هذا اللون الأزرق، فقد تم إطلاق اسم أريحا المدينة الفلسطينية المحتلة على بعض التجارب الإسرائيلية في الصحراء الجزائرية.

ولقد كان من الغرابة، أن التجارب النووية الفرنسية التي بلغت سبع عشرة تجربة قد تواصلت في زمن الاستقلال، حيث استطاعت فرنسا أن توظف اتفاقيات إيفيان لفائدتها باسم التعاون التقني، ومع ذلك فإن هذا قد كان يتم تحت تكتم شديد، وهو ما يعيد إلى الواجهة اتفاقيات إيفيان وما تنطوي عليه من بنود سرية، وإن كان البعض ينكر مثل هذه البنود السرية، فيكفي أن سؤال الاستفتاء الذي توج استقلال الجزائر قد كان يرهن هذا الاستقلال بالتعاون مع فرنسا، وهكذا فقد ظلت فرنسا باسم هذا التعاون تحظى بالأفضلية وكأنها صاحبة الحق التاريخي في مستعمرتها القديمة التي تكون قد تحولت إلى فردوس مفقود، بل جعل منه الأقدام السود والذين معظمهم من اليهود بمثابة أرض الميعاد.

إن هذه التجارب النووية الفرنسية التي تعبر عن جريمة ضد الإنسانية، لم تحترق بها الجزائر فقط، بل وصلت آثارها الكارثية ضد الإنسان والحيوان والنبات والجماد إلى بقية الدول الإفريقية الغربية بل وحتى الدول الأوربية الجنوبية، ولذلك فقد كان يجب أن تطرح القضية على مستوى أروقة الأمم المتحدة، وليس بين الجزائر وفرنسا فقط، ومع ذلك فإن ملف التجارب النووية الفرنسية ما يزال يطرح بين الجزائر وفرنسا بنوع من الاحتشام في إطار ملف الذاكرة الجريحة؛ فالدولة الفرنسية وريثة الدولة الاستعمارية ترفض أن تعترف بجرائمها ضد الإنسانية في الجزائر، بينما الجزائر لم تطالب بصفة رسمية لا بالتعويض ولا بالاعتذار، وذلك أضعف الإيمان، وإن كان لا التعويض ولا الاعتذار يفيدان في أي شيء أمام هول هذه الكارثة الإنسانية التي تبقى وصمة عار تلاحق الدولة الفرنسية وتفضح وجهها الاستعماري البشع الذي يزعم الحضارة والتمدن.

لقد آن الأوان أن تطرح الجزائر قضية التجارب النووية الفرنسية أمام المحاكم الجزائية الدولية، فالجريمة العادية لا تسقط بالتقادم، فكيف إذا ما كانت هذه الجريمة جريمة إنسانية، لم تأت على البشر فقط بل أتت على الحيوان والشجر والحجر، فمتى تقاضي الجزائر فرنسا أمام المحاكم الجزائية الدولية باعتبارها مجرمة حرب.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top