السبت 20 أبريل 2024

ماكرون يزور الجزائر والحسابات في الرباط

ماكرون

تحمل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون إلى الجزائر بداية من هذا الخميس، أهمية كبرى بمنطق الدولة، حتى وإن كانت بالمنطق الشعبي تحمل الكثير

ⓒ ماكرون
كاتب صحفي

تحمل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون إلى الجزائر بداية من هذا الخميس، أهمية كبرى بمنطق الدولة، حتى وإن كانت بالمنطق الشعبي تحمل الكثير من الريبة والشك بعد الجريمة الكبيرة التي ارتكبها هذا الرئيس في أكتوبر من العام الماضي، عندما أنكر وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي من دون أن يعتذر عن ذلك صراحة، غير أن تطورات الأوضاع بعد تلك التصريحات المسيئة، وتوالي الاتصالات بين الرئيسين ماكرون وتبون، أذابت بعض الجليد في علاقات البلدين، وهي اليوم بصدد هذه الزيارة الهامة أمام “اختبار تاريخي” حقيقي، لقياس النوايا الفرنسية حيال ملفات كثيرة حساسة بين البلدين.

وإذا كانت ملفات الذاكرة وتقديم الاعتذار عن جرائم الاستعمار والأرشيف الجزائري وتعويض ضحايا التجارب النووية وتسليم خرائطها، واستجلاء مصير مفقودي الثورة التحريرية، واسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية الموجودة إلى يومنا هذا بمتحف الإنسان بباريس، هي من بين الملفات “المعيارية” التي يمكن من خلالها قياس حقيقة النوايا الفرنسية في فتح صفحة جديدة من العلاقات على أساس من الندية والاحترام المتبادل، فإن القضايا الجيوسياسية الإقليمية المرتبطة بالصراعات في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وتحديدا في ليبيا ومالي، والصراع السياسي المحتدم في الشقيقة تونس، وكذا الصراعات البحرية في غرب المتوسط، وهي مجالات حيوية للجزائر تتورط باريس في أحداثها انطلاقا من الفكر الامبريالي الاستعماري القديم، ستكون لها أيضا دورها الحاسم في قياس صدقية باريس نحو قلب صفحة الخلافات أو الإبقاء عليها، الأمر الذي ستكون له تداعيات مباشرة على مكانة فرنسا في سوق الاستثمارات في الجزائر، وكذا على ضمان حصتها من الغاز الجزائري المادة الاستراتيجية الهامة اليوم بعد قطع روسيا إمداداتها من هذه المادة لأوربا.

غير أن مثل هذه القضايا “الكلاسيكية” بين البلدين، تخفي وراءها اليوم قضايا أخرى مستجدة تجذب اهتمامات المراقبين، وعلى رأسها بطبيعة الحال الموقف الفرنسي حيال الصراع الجزائري المغربي المتصاعد، وتحديدا موقف باريس من قضية الصحراء الغربية، بعد “الانقلاب الإسباني” الكبير في هذا الملف، وتداعيات كل ذلك على حصة باريس من الغاز الجزائري في ضوء تطورات الصراع الروسي الأوكراني، وكذا ما تخفيه هذه الزيارة من مسوح دينية سواء في طبيعة الوفد الفرنسي المرافق لماكرون أو في طبيعة الأماكن “الدينية” المقرر زيارتها سواء في العاصمة أو في وهران.

لعب على الحبلين الجزائري والمغربي

وسيكون لمحاولات باريس المكشوفة اللعب على الحبلين بين الجزائر والرباط، من أهم النقاط التي ستكون تحت الرقابة في هذه الزيارة، خاصة وأن الزيارة تأتي بالتزامن مع خطاب الملك المغربي محمد السادس التي بعث فيها رسائل مبطنة إلى باريس تحديدا بضرورة الخروج من المنطقة “الرمادية” في قضية الصحراء، وتحديد موقف واضح “إما معنا أو ضدنا”، وهو الأمر نفسه الذي أعلنته الجزائر قبل ذلك بخصوص اعتبار قضية الصحراء الغربية القضية “المعيارية” في تحديد طبيعة العلاقات مع الجيران.

ويتبين اليوم بوضوح أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تكسب نقاطا على حساب نظيرتها المغربية، حتى وإن كانت قد مرت بفترة من التوتر الحقيقي عقب تلك التصريحات الخطيرة التي نقلتها صحيفة “لوموند” حول “الأمة الجزائرية”، و”النظام السياسي العسكري الجزائري”، وذلك بعد الاتصالات الهاتفية المكثفة التي أعقبت الإعلان عن انتصار الرئيس ماكرون في الانتخابات الرئاسية، وتبدو زيارة ماكرون اليوم للجزائر التي ستستغرق ثلاثة أيام كاملة، على خلاف زيارته في ديسمبر 2017 التي لم تدم أكثر من 12 ساعة، مؤشرا على رغبة مشتركة لتجاوز العقبات، وربما لتحول يكون من باريس لصالح الجانب الجزائري على حساب الرباط.

وتشير العديد من المؤشرات إلى أن الجانب الفرنسي الذي لطالما لعب لصالح الحبل المغربي على حساب الجزائر، بدأ يلعب لعبة معاكسة عبر إرساله لإشارات محددة، بينها التشدد الواضح في سياسة حرمان المغاربة من التأشيرة مقابل نوع من التساهل مع التونسيين والجزائريين، إلى درجة وصلت فيه الأمور إلى حد حرمان وزراء سابقين وأطر كبيرة في الدولة المغربية من دخول فرنسا.

وقد بدأت هذه القضية تشغل بال الرأي العام المغربي، وتدخل الإعلام المغربي الذي استشاط غضبا مما وصفه بالتعامل “باحتقار” مع طالبي الفيزا من المغاربة، وطالب بالدفاع عن ما سمّاه بـ”الكرامة المغربية”، بعد أن توسعت دائرة المنع لتتجاوز المواطنين العاديين ورجال الأعمال، إلى وزراء سابقين وأطباء ورؤساء شركات كبرى.

وتشير بعض التقارير إلى أن باريس التي أعلنت خلال سبتمبر الماضي، عن إجراءات ضد ثلاث دول مغاربية هي تونس والجزائر والمغرب كعقاب على عدم استقبالها لمواطنيها المقيمين بطريقة غير قانونية في فرنسا، قد فرضت خفض الفيزا بنسبة 30 بالمائة لتونس و50 بالمائة لكل من الجزائر والمغرب، غير أن باريس تعاملت بليونة مع الجانبين التونسي والجزائري، لكنها شددت من رفضها لطلبات الفيزا من المغاربة لتصل إلى حدود 70 بالمائة.

وترجح تقارير مختلفة أن سبب هذا الجفاء بين باريس والرباط، مرده في نسبة كبيرة منها إلى تفجر فضيحة التجسس المغربية على الفرنسيين بمن فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه، بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي والذي كشفت عنه الصحف الفرنسية بالتفاصيل، ومن يومها بدأت العلاقات بين باريس والرباط تسوء إلى أن وصلت إلى أسوأ حالتها اليوم، بمغادرة السفيرة الفرنسية بالرباط هيلين لوغان من المملكة، على خلفية الأزمة الصامتة التي يعيشها البلدان.

ولعل من مظاهر هذا التنافر بين باريس والرباط الذي يمكن للجزائر أن تبني عليه، أن عملية التواصل بين ماكرون والرئيس تبون وحتى مع قيس سعيد استمرت بشكل طبيعي، بينما سجل انسداد كامل في التواصل ولو عبر الهاتف بين ماكرون والملك المغربي محمد السادس منذ عدة أشهر، وللغرابة هذا على الرغم من تواجد الملك المغربي بشكل مستمر على الأراضي الفرنسية للعلاج.

قضية الصحراء الغربية

وسارع المخزن إلى إلقاء أحجاره في المياه الراكدة، أياما قليلة من زيارة ماكرون للجزائر، حيث خرج الملك محمد السادس بخطاب صدامي واضح، أكد فيه أن قضية الصحراء هي التي ستحدد بالنسبة إليه الأصدقاء من الخصوم، في إشارة واضحة للجانب الفرنسي، الذي وعلى الرغم من احتفاظه بالموقف القديم الذي يعترف بالحكم الذاتي لكن من دون اعتراف صريح وعلني.

وأوضحت بعض المصادر المغربية أنها تتابع باهتمام كبير كلام الرئيس ماكرون في الجزائر، خشية أن يحدث أي تحول سلبي في الموقف الفرنسي ناحية التودد للجانب الجزائري، خاصة وأن المغاربة يعترفون أن “الدبلوماسية الفرنسية تدعم خيار الحكم الذاتي في المحافل الدولية، لكنها مع ذلك تظل مترددة في عملية الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء”.

وكانت مصادر إسبانية قد كشفت بالفعل، أن قضية الصحراء الغربية وتغير الموقف الإسباني منها، ستكون من صلب محادثات الجانب الفرنسي مع الجزائر، وذلك لتفادي كل سوء فهم، وحتى لا يكون مصير الفرنسيين في الجانب الاستثماري والطاقوي كمصير الإسبان.

زيارة سياسية بطقوس دينية

يبقى الجانب الآخر المهم، في هذه الزيارة علاوة على القضايا الكلاسيكية المعروفة المرتبطة بالذاكرة والاعتذار، في هذه الطقوس الدينية للزيارة، والتي تمثلت في العدد الكبير من الشخوص الدينية للوفد المرافق والأماكن التي تم اختيارها، فقد كان لافتا أن يضم الوفد المرافق إلى جانب عميد مسجد باريس شمس الدين خفيز، الحاخام الأكبر لفرنسا حاييم كورسيا، اليهودي من أصول جزائرية، والمعروف بدعمه اللامحدود للصهاينة واقتلاع القدس من جذورها الإسلامية.

وإذا كانت بعض الأصوات الجزائرية قد سارعت للتنبيه إلى خطورة ذلك، باعتبارها خطوة قد تمهد لتطبيع الجزائر مع إسرائيل، خاصة وأنها تأتي بعد قيام بعض اللاعبين الجزائريين باللعب في إسرائيل مع فريق فرنسي، إلا أن ذلك لا يبدو كافيا لإثبات هذه التهمة، خارج سياقها المتمثل في العلاقات بين الدولتين الفرنسية والجزائرية، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يعمد فيه رؤساء فرنسا إلى جلب مرافقين من أصول يهودية جزائرية لكن من دون أن يكون لذلك تأثير على توجهات الدولة الجزائرية المعادية للتطبيع.

غير أن ازدحام هذه الزيارة بزيارات خاصة لأماكن ذات طبيعة دينية هو المؤشر الذي ينبغي التركيز عليه، على غرار زيارة مقبرة بولوغين بالعاصمة، والجامع الكبير بالعاصمة وكنيسة سانتا كروز بوهران وغيرها، وذلك على الرغم من أن فرنسا ترفع شعار العلمانية المتوحشة، وترفض خلط الدين بالسياسة، بل وتعلن جهارا نهارا محاربتها للدين الإسلامي دون غيره من الأديان الأخرى، لكن في زيارة ماكرون إلى الجزائر تحوّل الدين إلى أداة في يد الدولة الفرنسية اللائكية، وعلى الجميع مراقبة أهداف ذلك.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top