الجمعة 29 مارس 2024

أسرار حقيبة ديميستورا إلى المغرب العربي

ديميستورا

تواجه الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية ستيفان ديميستورا منذ الأربعاء الماضي إلى منطقة المغرب العرب

ⓒ ديميستورا
كاتب صحفي

تواجه الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية ستيفان ديميستورا منذ الأربعاء الماضي إلى منطقة المغرب العربي، وتستمر أسبوعا كاملا، من أجل إيجاد حل لأكثر القضايا الإقليمية والدولية تعقيدا في القرن الحالي، صعوبات هائلة وتحديات كبيرة، خاصة في ظل تطورات خطيرة يشهدها هذا النزاع، بعد إعلان جبهة البوليزاريو استئناف العمل المسلح في أعقاب هجوم الجيش المخزني على المدنيين في الكركرات في نوفمبر 2020، وإعلان الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط، وكذا محاولات المخزن والقوى الدولية الداعمة له توريط الجزائر وجعلها طرفا مباشرا في هذا النزاع عبر فكرة “المائدة المستديرة” التي ترفضها الجزائر بشكل قاطع.

وأمام هذا الوضع المعقد والمتشابك، يطرح سؤال جوهري حول “أسرار حقيبة ديميستورا التي يحملها معه، خلال جولته الحالية التي قادته أولا إلى الرباط ثم إلى مخيمات اللاجئين بتندوف، ويختمها بزيارة كل من الجزائر ونواقشط؟ وهل يمتلك هذا الدبلوماسي الايطالي السويدي المخضرم، حلولا سحرية يمكنها أن تحل العقدة التي فشل فيها سابقوه؟.

أولى تلك الأسرار، هو بالتأكيد محاولة إقناع الجزائر وكذا جبهة البوليزاريو بفكرة “المائدة المستديرة” لإدارة المفاوضات، والتي تصر عليها الرباط وترفضها الجزائر بشدة، حتى أن الجزائر سبق وأصدرت بالفعل تعليمات لسفيرها الدائم في نيويورك بإبلاغ هذا الموقف “الصارم” إلى رئيس مجلس الأمن، وطلبت منه توزيع مذكرة شفهية حول هذا الموضوع على جميع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ومبعث هذا الرفض الجزائري، هو أن فكرة “المائدة المستديرة” تثبت الدعاية المغربية القديمة التي كان الملك الحسن الثاني أول من روجها، عندما اعتبر أن الصراع في الصحراء ليس بين المغرب والبوليزاريو وإنما هو بين المغرب والجزائر، في محاولة مفضوحة لتجاوز وجود الشعب الصحراوي الذي يناضل منذ قرابة نصف قرن من أجل استرجاع حقوقه في أرضه، واقتصار الصراع على أنه صراع نفوذ بين الجزائر والرباط.

ويزيد من صعوبة هذا المقترح حول “المائدة المستديرة”، انقطاع العلاقات بين الجزائر والرباط، ووصول الوضع بينهما إلى حافة الهاوية، بعد أن تجرأ المخزن على القيام بأفعال غاية في العدائية ضد الجزائر، بإثارته في الأمم المتحدة لقضية استقلال القبائل (مقابل استقلال الصحراء الغربية) وجلب إسرائيل للمنطقة للاستقواء بها، ما يعني أن فكرة المائدة المستديرة، تتطلب على الأقل تهدئة دبلوماسية بين البلدين، ومحاولة من ديميستورا إعادة العلاقات على الأقل إلى سالف عهدها، وهذا ما يظهر بأنه مستبعد للغاية في الوقت الحالي.

وهنا سيكون على ديميستورا زيادة على الحنكة الدبلوماسية التي يملكها، أن يلجأ إلى السحر ربما، لإقناع الطرفين المغرب والبوليزرايو بشئ من التوفيق المستحيل، بين أطروحة المغرب “للحكم الذاتي الموسع”، الذي كررته الرباط أمام مسامعه في زيارته لها الخميس الماضي، وبين الطرح الصحراوي المبني على ضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير، وهي المهمة التي فشل فيها جميع المبعوثين الخاصين السابقين، بل إنها اليوم تزداد تعقيدا، ليس جراء التنافر بين الجزائر والمغرب وفقط، ولا بسبب عودة الكفاح المسلح للجيش الشعبي الصحراوي، وإنما لأن قادة البوليزاريو وبعد أن تأكدوا من إصرار الرباط المدعومة فرنسيا وإسرائيليا وأمريكيا على مواقفها المتمثلة في (مبادرة الحكم الذاتي في إطار الموائد المستديرة وبحضور الأطراف الأربعة)، بدأوا بدورهم يلوحون بأن الشعب الصحراوي لم يعد يعتبر استفتاء تقرير المصير حلاً محتملاً، بل سيتمسّك بشكل مباشر بحقه المشروع في الاستقلال التام للصحراء الغربية.

هذا الوضع سيجعل من جولة ديميستورا ومن حقيبته المحملة بالمستحيلات الدبلوماسية، ليست مجرد جولة عادية، للاستماع والإصغاء إلى وجهات النظر بين أطراف الأزمة: المغرب والبوليزاريو، ولا الأطراف المراقبة للوضع: الجزائر وموريتانيا، بقدر ما قد تكون محاولة للضغط على الأطراف جميعها، وتبليغهم رسالة القوى الكبرى، حول حتمية خفض التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات بغض النظر عن شكلها الذي سوف يخضع بدوره للنقاش الطويل.

ولمحاولة تبسيط الموضع المعقد، نلاحظ أنه أمام ديميستورا أن يعمل على فتح قنوات اتصال بين الجزائر والرباط بعد قطع العلاقات، لأنه يدرك أن في تلك القنوات وحدها يمكن تمرير الحلول الممكنة، لكن في المقابل، فإن الجزائر سبق وأعلنت رفضها فكرة الوساطات بينها وبين الرباط في موضوع قطع العلاقات، كما أعلنت رفضها فكرة الموائد المستديرة التي يستغلها المخزن لتوريط الجزائر في نزاع ليست طرفا مباشرا فيه، وفي المقابل تصر الرباط على فكرة المائدة المستديرة التي تحضرها الجزائر كطرف في الأزمة، وترفض الجلوس إلى طاولة تحضرها البوليزاريو في غياب الجزائر.

ربما تحمل حقيبة ديميستورا قدرا هائلا من الدعم الدولي لمهمته المعقدة في المنطقة، لكن هل يكفي ذلك بالفعل لحلحة هذا النزاع الذي طال أمده، خاصة وأن الوضع اليوم بات أكثر تعقيدا مع إحساس المخزن أنه مسنود من أمريكا واللوبيات الصهيونية لتمرير أطروحاته التوسعية؟ هذا أمر يبدو مستبعدا للغاية في ظل إصرار الشعب الصحراوي على مواصلة الكفاح المسلح من أجل الحرية والاستقلال وهو أمر لا يمكن لقوى الأرض مجتمعة أن تنزعه منه.

بقي أن ديميستورا استمع كثيرا في مخيمات اللاجئين لصوت الشعب الصحراوي الذي لن يتراجع عن حقه ولو استمرت قضيته العادلة هذه عقودا أخرى من الكفاح، بينما سيكون عليه أن يستمع حين وصوله للعاصمة الجزائر لكلام واضح ومباشر، قد يخلط كل أوراقه التي تحملها حقيبته السحرية.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top