لا حياة لمن تنادي
من بين أقسى التعليقات الفلسطينية التي قرأتها بعد “مذبحة الفجر” الأخيرة في مدرسة التابعين بغزة، والتي أودت بحياة أكثر من مائة فلسطيني كانوا يؤدون صلاة الفجر، وخلفت آثارها العميقة في نفسي، ما ردده أحد الغزيين موجها خطابه للعرب: “لا تساندونا بعد اليوم، لم نعد بحاجة إلى تعاطفكم، لقد يئسنا منكم ولم نعد ننتظر سوى الشهادة”! وهو تعليق يلخص بالمجمل أقصى درجات الإحساس بالخذلان والترك لدى الغزيين تجاه من كانوا يعتقدون أنهم “إخوة عرب ومسلمون”، إلى درجة أنهم اليوم، تعبوا من إطلاق المناشدات والاستغاثات، وكرهوا من صراخهم في انتظار النصرة والمدد، فقرروا أخيرا، بعد أن وصل الموت إلى مداه، وأصبحت أشلاء الشهداء المكدسة والمقطعة كما في مجزرة الفجر، توزن بالكيلو قبل دفنها، لعجزهم عن تحديد معالم الأشلاء لأصحابها، أن يتوقفوا عن البكاء وعن الصراخ وطلب النجدة من العرب الذين تودع منهم رغم كثرتهم التي هي كغثاء السيل.
الفايدة:
لقد ذبحت إسرائيل أهلنا في غزة كما تذبح الخرفان ولم يتحرك العرب، وجوعتهم حتى أكلوا مما تأكل الدواب ولم ينتفضوا، ووصلت الحال أن تجاوز الصهاينة اغتصاب الحرائر إلى اغتصاب الرجال داخل سجون الكيان، ولم تهتز على رأي مظفر النواب لهم قصبة، فهل بعد هذا الهوان هوان أكبر؟
والحاصول:
أشعر بعد كل هذا الخذلان والهوان غير المسبوق في تاريخ البشر، أن الغزيين الأبطال قد تبرأوا منا نحن العرب، وما تبرأوا من شرفهم، وتوقفوا عن المناداة والاستنجاد بالموتى، بعد أن أدركوا اليوم فعلا وحقيقة أن العرب بلا حياء ولا حياة، وأنهم أكوام رماد وأعجاز نخل خاوية مصداقا لقول شاعرهم القديم:
لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد