الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

فرنسا ـ “إسرائيل”: مباراة الرعب والعار

مباراة

أمام إصرار الحكومة الفرنسية على إجراء مباراة العار هذه تصاعد الغضب الشعبي في فرنسا خاصة من الجهات المؤيدة للحق الفلسطيني

ⓒ ح.م
  • حالة طوارئ في باريس خوفًا من "غزوة أمستردام" ثانية
كاتب صحفي

تحولت المباراة المرتقبة بين الفريقين الفرنسي والصهيوني، مساء هذا الخميس، ضمن دوري الأمم الأوروبية، المقرر إقامتها في ملعب “ستاد دو فرانس” في سان دوني، إحدى ضواحي باريس الشمالية، إلى موعد للرعب والعار، بسبب الخلفيات السياسية الهائلة التي تحملها جراء استمرار الكيان الغاصب في جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وشن عدوان همجي على لبنان، مع وجود جالية عربية ومسلمة قوية في باريس، من شأنها أن تحيل العاصمة الفرنسية بسبب هذه المباراة إلى أجواء “غزوة أمستردام” التي وقعت قبل أيام بالعاصمة الهولندية.

وجراء هذه الأوضاع التي اختارت فيها الحكومة الفرنسية، والرئيس الفرنسي وكذا وزير داخليته إقامة مباراة العار بباريس مع رفض تحويل مكانها على الأقل، بحجة “رفض الاستسلام في مواجهة تهديدات العنف ومعاداة السامية”، تعيش العاصمة الفرنسية على وقع حالة طوارئ حقيقية، حيث حذر قائد شرطة باريس مما سماه “المخاطر العالية” لتلك المباراة في ظل استمرار الهمجية الصهيونية في غزة، الأمر الذي فرض على السلطات الأمنية الفرنسية رفع عدد قوات الأمن المكلفة بتأمين هذه المباراة من 4 آلاف شرطي إلى 5 آلاف.

غضب شعبي واسع

وأمام إصرار الحكومة الفرنسية على إجراء مباراة العار هذه، تصاعد الغضب الشعبي في فرنسا خاصة من الجهات المؤيدة للحق الفلسطيني، حيث نظمت مظاهرات شعبية ضد المباراة في ساحة تروكاديرو الباريسية، وتحركت بعض القوى السياسية داخل البرلمان الفرنسي للمطالبة بإلغاء المباراة مع فريق دولة مجرمة بكل المقاييس، كما اقتحم ناشطون معارضون للجرائم الصهيونية مبنى الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، ورفعوا شعارات تندد بالإجرام الصهيوني والتواطؤ الفرنسي معه، إلا أن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم الذي اعترف بخطورة المباراة وتفهمه للغضب الشعبي منها، عبر عن عجزه عن القيام بأي شيء في مواجهة القرار السياسي للحكومة الفرنسية بإجرائها، وصلاحية الاتحاد الأوربي لكرة القدم في مثل هذه الحالات.

ولم يتوقف الغضب الشعبي عند الدعوة لإلغاء المباراة، بل إلى دعوة لاعبي الفريق الفرنسي لمقاطعة اللعب مع الفريق الصهيوني الذي يقتل الأطفال والنساء، ورؤية التبعات الأخلاقية لمثل هذه المشاركة، حيث وصفت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي تلك المباراة بأنها تمثل بالفعل “مباراة إبادة جماعية فرنسية”.

ماكرون يحضر المهزلة

إلا أن موقف الحكومة الفرنسية، ضرب عرض الحائط بكل تلك الدعوات، بل إن الرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيس الوزراء الجديد ميشيل بارنييه، وحتى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وغيرهم من المسؤولين الفرنسيين قرروا جميعا حضور مباراة العار هذه، في “ستاد دي فرانس” في سان دوني شمال باريس، في رسالة منهم على وقوفهم الدائم مع الصهيونية وجرائم الكيان ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ودفع هذا الموقف الصريح من الرئاسة الفرنسية والحكومة، نوابا من المعارضة الفرنسية، من أحزاب “فرنسا الأبية” و”الجبهة الشعبية الجديدة”، للتنديد بهذا الموقف المخزي، واتهموا الحكومة الفرنسية بالتواطؤ لاستمرار الإبادة الجماعية في غزة على غرار ما قاله النائب دافيد غيرو أمام الجمعية الوطنية، وقد ظهر ذلك جليا بسماح السلطات الفرنسية بجمع الأموال للجيش الصهيوني هذا الأربعاء بحضور وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش شخصيا في فرنسا.

والمثير أن ماكرون ورئيس حكومته، قررا المشاركة وحضور المهزلة، على الرغم من أن “إسرائيل” قد أهانت فرنسا مرارا وتكرارا في المدة الأخيرة، كان آخرها اعتقال وإهانة دركيين فرنسيين ضمن السلك الدبلوماسي الفرنسي في إسرائيل على يد الشرطة الإسرائيلية، خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى إسرائيل قبل أيام فقط.

نحو غزوة أمستردام ثانية

وأمام هذا التعنت الفرنسي بإقامة المباراة، والاستفزاز الذي وصل إلى حد حضور الرئيس ماكرون نفسه مباراة العار هذه، يرقب المحللون أن تؤدي إلى انفلات الأمور في باريس هذا الخميس، بنفس الطريقة أو ربما أكبر مما حصل في العاصمة الهولندية أمستردام قبل أيام، عندما استفزت الجماهير الصهيونية لفريق مكابي تل أبيب، شريحة واسعة من سكان المدينة وجلهم من العرب والمسلمين عبر نزع الأعلام الفلسطينية من البنايات وترديد شعارات عنصرية ضد غزة والفلسطينيين، فما كان من أنصار القضية الفلسطينية هناك إلا أن نزلوا الشارع وردوا الصاع صاعين ضد الصهاينة، وأعطوهم درسا في الشجاعة والرجولة.

وأدت غزوة أمستردام المباركة إلى إصابة الحكومة الإسرائيلية بالهلع والرعب، وإصدار تعليمات بتجنب حضور مباراة منتخب إسرائيل ضد فرنسا المقررة في 14 نوفمبر، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية تدرك جيدا الكثافة العالية للجالية العربية في فرنسا وباريس، خاصة من دول المغرب العربي وخاصة من الجزائريين الذين لديهم مواقف صارمة ضد الكيان، وسيكون من العسير على قوات الأمن الفرنسية حماية لاعبي الكيان في ظل استمرار العدوان وقتل الأطفال.

وفي كل الأحوال، فإن فرنسا وأوروبا في موقف أخلاقي محرج، وهي تقوم بحظر التعامل مع الفرق الروسية من جميع المنافسات رغم أن القوات الروسية في أوكرانيا لم ترتكب واحدا في المائة من جرائم الصهاينة في غزة، بينما تستقبل الفرق الصهيونية بكل هذه الحفاوة، وتخصص لها الآلاف من قوات الأمن والشرطة، بل ويحضر قادتها وزعماء للمباريات التي تلعبها، بينما تواجه بعنف مفرط أي تحرك شعبي داخلها يؤيد الحق الفلسطيني.

شارك برأيك

ما هي أولويات الرئيس تبون خلال العهدة الثانية؟

scroll top