الاثنين 10 فبراير 2025

غزة.. نهاية المحرقة

غزة

تتوقف يوم الأحد 19 جانفي 2025 أكبر محرقة واجهها الشعب الفلسطيني في غزة منذ احتلال الصهاينة لأرضه

ⓒ ح.م
  • الجزائر تتوجه لشرعنة وقف إطلاق النار دوليا وجعله ملزما تفاديا لغدر الصهاينة
كاتب صحفي

تتوقف صبيحة هذا الأحد، واحدة من أبشع الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث، ومعها تتوقف (ولو مؤقتا) أكبر محرقة واجهها الشعب الفلسطيني في غزة منذ احتلال الصهاينة لأرضه، وذلك بعد حوالي 16 شهرا كاملة، أي 470 يوما من أكثر صنوف الإبادة الجماعية من قتل وتدمير وتشريد وتجويع وبرد وحصار، سيبقى التاريخ يتحدث عنها طويلا، ومعه ستبقى وصمة العار تلاحق الجميع، من القوانين الدولية العاجزة إلى الشعارات الإنسانية الزائفة، إلى حق الأخوة والجيرة للشعوب والدول العربية التي وقفت كلها تقريبا متفرجة على المأساة.

ويأتي إعلان الخارجية القطرية عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في حدود الساعة 8:30 من صبيحة الأحد، بالتوقيت المحلي لغزة، تتويجا لمعركة صمود أسطورية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، وتتويجا لماراطون من المفاوضات والشد والجذب، وقف فيها اليمين المتصهين حجر عثرة كأداء طوال الشهور الماضية، قبل أن يستسلم تحت ضربات المقاومة وغوط الرئيس الأمريكي الجديد ترامب،  أثبت فيها الفلسطينيون أنهم شعب لا يمكن هزيمته، وأن الاستسلام ليس في قاموسه أبدا، لتكون بذلك هذه الأسطورة الخالدة.

وبينما يتم الاستعداد لعملية تبادل الأسرى والمعتقلين بين الطرفين، مع ما يرافقه من انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من القطاع، في المرحلة الأولى التي تستمر لـ 42 يوما، في انتظار المرحلتين الثانية والثالثة، مع استمرار القصف الصهيوني الوحشي حتى الدقائق الأخيرة لبداية تطبيق الاتفاق، شرعت وزارة الداخلية في القطاع التابعة لحماس، في نشر قواتها وأطقمها الأمنية في كافة محافظات القطاع، كرسالة واضحة أن الحركة التي أريد لها أن تختفي، ما زالت قوية وهي من تسيطر على الوضع، وأنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه في ما يسمى باليوم الموالي لوقف إطلاق النار، كما تخطط إسرائيل وأمريكا وبعض الدول العربية وحتى السلطة الفلسطينية للأسف، التي يراد لها أن تسيطر على القطاع بإرادة دولية.

ويتطلع الغزيون الذين ذاقوا الويلات طول مدة العدوان الهمجي، إلى وقف مؤقت للعمليات بين الطرفين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة بما فيها محور نتساريم إلى مناطق بمحاذاة الحدود، وفتح معبر رفح (جنوب القطاع) بعد 7 أيام من بدء تطبيقه، ودخول 600 شاحنة يوميا من المساعدات الإنسانية، والإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا بغزة سواء الأحياء أو جثامين الأموات مقابل أكثر من 700 أسير فلسطيني، بينهم زكريا الزبيدي القيادي السابق في كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة فتح، مع التفاوض على إنهاء الحرب بشكل كامل خلال هذه المرحلة.

فرحة مغمسة بالدم

وأمام هذه التطورات الهامة، عبر الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين عن فرحته بوقف إطلاق النار، لكنها مع ذلك فرحة مغموسة بالدم، فقد سقط في هذه المحرقة أكثر من 200 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، إلا أن هذا الألم الهائل، لم يكسر إرادة الشعب الفلسطيني بالافتخار بمقاومته، والتعبير عن نصر الصمود الأسطوري الذي تحقق، والذي أفشل كلية خرافة النصر الكامل الذي كان يردده نتنياهو منذ بدء العدوان.

وعبرت حماس بصراحة عن هذه الحقيقة، عندما أكدت أن “الاحتلال الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه العدوانية، ولم يفلح إلا في ارتكاب جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية”، بعد نحو 16 شهرا من حرب الإبادة على قطاع غزة.

وتظهر مفردات بيان حماس بالمناسبة، أنها بالفعل حركة متجذرة يصعب، إن لم يكن مستحيلا، القضاء عليها، حيث ذكرت كيف أن طوفان الأقصى جسد تلاحم الشعب الفلسطيني مع المقاومة، وقرب أكثر نحو زوال الكيان وتحرير الأرض، وأن هذا التلاحم هو الذي كان وراء إجبار العدو على الرضوخ لوقف العدوان، والانسحاب من القطاع، وإقرار دخول المساعدات، رغم حسابات نتنياهو واليمين المتطرف، متوعدة بأن دماء الشعب التي سالت غزيرة في هذا العدوان لن تذهب هدرا، ولن تسقط بالتقادم.

مخاوف من الغدر الصهيوني

ورغم أجواء التفاؤل بعقد الصفقة وإعلان وقف إطلاق النار، إلا أن المخاوف من غدر الصهاينة تبقى قائمة، خاصة وأن هناك أطرافا كثيرة من اليمين الصهيوني تضغط باتجاه سيناريو الغدر، وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش، اللذان يكونان قد حصلا على ضمانات من نتنياهو بإمكانية العودة للقتال بعد إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، بغض النظر عن الضمانات التي يتحدث عنها الوسطاء الأمريكان والقطريون والمصريون.

وما يعزز هذه المخاوف التي تبقى وجيهة، بالنظر إلى تاريخ الخيانة والغدر الذي يحفل به سجل الصهاينة، هو قرار “الكابنيت” الذي اتخذ بعد إقرار الصفقة، بالعودة إلى القتال المكثف إذا لم يتم تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق، وهو تهديد واضح لا تعارضه الإدارة الأمريكية نفسها.

إن إسرائيل التي لم تتوقف عن القتل واستهداف المدنيين العزل في خيامهم حتى بعد إعلان التوصل إلى التهدئة، وكشفت عن مدى تعطشها للقتل من أجل القتل فقط، خلال الساعات القليلة التي سبقت التنفيذ، تؤشر بوضوح إلى أن الصهاينة لم يشبعوا من القتل، وأنهم سيبحثون عن أي ذريعة للعودة إلى هوايتهم المفضلة.

ومن يتابع الإعلام الصهيوني، وقبله تصريحات بعض السياسيين الذين اعتبروا الصفقة هزيمة للكيان، سيشعر أن الكيان يعيش حدادا حقيقيا، بسبب ما أفرزته هذه الصفقة من انسحاب من القطاع وعدم تحقيق أهداف الحرب، بل إن صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، عبرت الجمعة صراحة، أنّ ثمن اتفاق تبادل الأسرى “كبير وثقيل، وهو بحجم الفشل في 7 أكتوبر 2023، إلا أن إسرائيل عاجزة عن رفضه أو الاستغناء عنه، ما يؤشر إلى أن الكيان قد يبحث مستقبلا على أي ذريعة للغدر وتجاوز مرارة هذا الاتفاق الذي وقعه الصهاينة مجبرين.

دور جزائري متجدد

بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها الدبلوماسية الجزائرية في مجلس الأمن، طوال أشهر العدوان الماضية، وبعد الشكر الذي قدمه خليل الحية للجهود الجزائرية التي ساهمت في هذا الاتفاق وفي الوقفة التاريخية مع الشعب الفلسطيني، تعود الجزائر إلى جهودها التي لا غنى عنها، داخل مجلس الأمن الدولي، لتحويل ميكانيزمات اتفاقية وقف إطلاق النار على غزة إلى “بروتوكول بغطاء سياسي وقانوني” على المستوى الدولي.

وهنا، تسعى الجزائر إلى جانب بعض الدول العربية والإسلامية، لاستصدار قرار من “مجلس الأمن” يوفر الغطاء لتوقيع الاتفاق ويحوله إلى قرار ملزم لجميع الأطراف وتحديدا إسرائيل التي يمكن لحكومتها أن تتلاعب بالوقائع بعد انتهاء “المرحلة الأولى” من الاتفاق.

وتعد هذه الجهود الجزائرية المتناغمة مع مواقفها الثابتة، في غاية الأهمية ناحية شرعنة اتفاق وقف إطلاق النار دوليا، وجعله إلزاميا على الكيان، لإدراك الجزائر حقيقة الغدر الصهيوني، وأن الصهاينة بالفعل لا أمان لهم.

وتسعى الجزائر من خلال تحركاتها الجديدة، اعتمادا على المشروع الجزائري القديم في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، لتحقيق قرار جديد لمجلس الأمن يشرعن الاتفاقية ويقترح مراقبتها بموجب بنود إلزامية متاحة في ميثاق الأمم المتحدة، قد تضمن إرسال قوات دولية تمنع الكيان من مواصلة الحرب وفرض السلام على الكيان المتوحش ولو بالقوة.

شارك برأيك

ما هي أولويات الرئيس تبون خلال العهدة الثانية؟

scroll top