دلالات رسائل ماكرون وبن زايد والسنوار للرئيس تبون
-
ماذا تريد فرنسا والإمارات تحديدًا بعد فوز الرئيس تبون من الجزائر؟
بغض النظر عن الرسائل والمواقف الدولية من الدول وزعماء العالم التي وصلت الرئيس عبد المجيد تبون، عقب الإعلان عن فوزه الكبير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة للسابع من سبتمبر الجاري، على غرار الموقف الأمريكي المرحب، واتصالات أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن ما لفت الانتباه أكثر في كل تلك المواقف والرسائل الدولية، هو ما صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، والزعيم الجديد لحركة حماس ورئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، لما تحمله كل من تلك الرسال الثلاث من مدلولات خاصة تستحق التوقف عندها وقراءتها بشكل دقيق.
وتنبع أهمية رسائل التهنئة التي وصلت الرئيس الجزائري الفائز في الرئاسيات، من هذه الجهات الدولية تحديدا، من كونها توضح صلابة الموقف الجزائري في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ورغبة تلك الأطراف التي يمثل كل واحد منها، رؤية معينة، استقطاب الجزائر في المرحلة المقبلة من حكم الرئيس تبون، إلى جانب تصور إمكانية حدوث مراجعات في مواقف كل من فرنسا والإمارات تجاه الجزائر، مع تكريس الخط المقاوم للجزائر في الموضوع الفلسطيني بخروج زعيم حماس الجديد بعد اغتيال إسماعيل هنية، يحيى السنوار بأول رسالة له من معقله إلى الجزائر تحديدا ورئيسها كدليل كبير على اعتزاز المقاومة الفلسطينية في غزة وفلسطين بالمواقف الجزائرية المشرفة.
دلالات رسالة ماكرون وفرنسا
وتحمل رسالة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للرئيس تبون المهنئة بمناسبة فوزه بالرئاسيات، دلالات خاصة، كونها جاءت بعد فترة قصيرة من توتر هائل في العلاقات ببن البلدين في أعقاب التحول الفرنسي من قضية الصحراء الغربية لصالح الطرح المخزني، دفع الجزائر إلى سحب سفيرها في باريس، حيث حاول ماكرون من خلال رسالته تلك تجاوز تلك المشكلة الكبيرة، بتأكيده على ما سمّاه “العلاقة الاستثنائية” بين البلدين رغم الأزمات المتكررة، وضرورة مواصلة الحوار بين البلدين، في إشارة ليس فقط إلى معضلة الصحراء الغربية التي باتت “القطرة التي أفاضت الكأس” بالنسبة للطرف الجزائري، وإنما لإشكالات ومعضلات كبيرة أخرى بين البلدين، تتعلق بقضية الذاكرة، والتجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، وموضوع الهجرة والمهاجرين الجزائريين، وحصة فرنسا في السوق الجزائرية وغيرها، التي ما تزال عالقة ويبدو أن الخلاف حولها يتسع ويذهب في اتجاه أفق مسدود.
وتكشف الطريقة “الباردة” التي تناولت بها الجهات الجزائرية المختلفة، سواء السياسية منها أو الإعلامية، رسالة التهنئة التي بعث بها ماكرون للرئيس تبون بهذه المناسبة، أن الشرخ كبير بين الطرفين، وأن مجرد رسالة بروتوكولية تتحدث عن “العلاقات الاستثنائية” دون تجسيد واقعي، لا يمكن أن يتم حملها على محمل الجد، خاصة بعد الانحراف الفرنسي الخطير في قضية حساسة كالصحراء الغربية.
ولقد أوضحت هذه “البرودة” الجزائرية في التعامل مع رسالة ماكرون، والتي تجسدت في التجاهل الذي لاقته في موقع وحساب رئاسة الجمهورية الجزائرية أو من جانب التأخر الواضح في التعاطي معها من طرف وكالة الأنباء الجزائرية، وكذا بقية المنابر الإعلامية الجزائرية الأخرى، أن إصلاح العلاقات الجزائرية الفرنسية في العهدة المقبلة للرئيس تبون، سوف لن تكون سهلة على الجانب الفرنسي المتسبب الأول في تدهورها بهذا الشكل، وأن النية الصادقة للجانب الجزائري في عهدة الرئيس تبون الأولى، لتجاوز العقبات الكبيرة لتطوير تلك العلاقات، قد اصطدمت أخيرا بحسابات فرنسية ضيقة جدا، خاصة مع التغيرات الكبيرة في الساحة الفرنسية عقب الانتخابات التشريعية في هذا البلد، وأن إصلاح ما انكسر في هذه العلاقة، بعد قرار باريس التخندق مع الجانب المغربي بكل وضوح في قضية الصحراء الغربية، قبيل الرئاسيات الجزائرية، وقبيل الانتهاء من نزع الحواجز والعراقيل الموضوعية للزيارة التي كانت مقررة للرئيس تبون إلى فرنسا، تجعل من رسالة ماكرون هذه بلا مضمون سياسي كبير، بل تجعلها مجرد رسالة فارغة المحتوى، وعديمة التأثير كليا إن لم تقرر فرنسا سريعا تصحيح أخطائها والتوقف عن ممارسة أساليبها الاستعمارية القديمة مع الجزائر.
دلالات مكالمة بن زايد
وتستقطب المكالمة الهاتفية التي تلقها الرئيس تبون من نظيره الاماراتي محمد بن زايد، لتقديم تهانيه له بمناسبة فوزه بالرئاسيات، الاهتمام الأكبر، كونها تعد الاتصال الرسمي الأول من نوعه بين الزعيمين، في ظل توتر واضح في العلاقات بين الجزائر والإمارات، بدأت نذرها منذ سنوات عديدة، لكنها تفجرت بصورة شبه مكشوفة منذ جانفي الماضي، عقب اجتماع المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، وندد بما سمّاه وقتها بالأعمال العدائية التي تقوم بها “دولة عربية شقيقة” من دون ذكر اسمها، وهو ما أكده الرئيس تبون أيضا في تصريحات إعلامية بعد ذلك في مارس الماضي، عندما أشار إلى تورط هذه الدولة دون ذكر اسمها أيضا، من خلال الأموال التي تنفقها، في كل من مالي وليبيا والسودان، لكن كل الأصابع كانت موجهة في الجزائر إلى دولة الإمارات تحديدا، حيث تولى عدد من السياسيين أمثال بن قرينة ولويزة حنون وآخرين ذكر اسم الإمارات مباشرة.
وبعكس رسالة ماكرون، فإن مكالمة محمد بن زايد مع الرئيس تبون، التي جاءت في أعقاب لقاء بينهما خلال اجتماع مجموعة السبعة في جوان الماضي في باري الإيطالية، قد تم الاحتفاء بها بشكل واضح، كما أن طبيعة المكالمة التي وصفت بالودية، وما أدت إليه من إعلان رئاسة الجمهورية عن اتفاق بين الزعيمين على لقاء سيجمعهما مستقبلا، يدفع للاعتقاد عن إمكانية تحسن العلاقات الجزائرية الإماراتية مستقبلا، خاصة إذا ما قررت اإامارات التوقف عن أعمالها غير الودية تجاه الجزائر، ووقف الحملة الإعلامية ضد الجزائر التي تتبناها منابر عربية ممولة إماراتيا.
ومع ذلك فإن مكالمة 10 سبتمبر بين تبون وبن زايد، على الرغم مما حملته من آمال ووعود بتجاوز المشكلات المعقدة بين البلدين، إلا أن ذلك سيكون صعبا للغاية، بالنظر إلى تناقض الأجندات السياسية بين البلدين، في مسألة التطبيع مع الصهاينة، حيث تلعب الإمارات دور العراب الأكبر لهذا الاتجاه، كما تقوم بتمويل القوى المناوئة للجزائر ماليا وعسكريا في الجوار، ما يعني أن إمكانية التحسن لا تتعلق إلا بتغيير كبير في سياسة الإمارات في منطقة شمال إفريقيا، أو على الأقل “تبريد” الجبهات المفتوحة مع الجزائر، خاصة وأن الإمارات قد أدركت الآن تماما، أنها في مواجهة لاعب رئيس في المنطقة اسمه الجزائر، وأن مواجهة مفتوحة مع بلد كبير بحجم الجزائر ستكون عواقبها وخيمة، بالنظر إلى قدرة الجزائر على الرد وامتلاكها أوراق قوة كثيرة لم تستعملها حتى الآن حفاظا على الحد الأدنى من أواصر الأخوة العربية.
دلالات رسالة السنوار والمقاومة
وتنال رسالة التهنئة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والقائد الفعلي للمواجهة القائمة حاليا مع العدو الصهيوني، يحيى السنوار، للرئيس تبون بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، اهتماما واسعا بين الجزائريين والعرب، باعتباره أول عمل رسمي من طرف هذا القائد الفلسطيني الكبير، حيث اختار أن تكون الجزائر أول بلد يبعث إليه برسالة من داخل غزة المحاصرة، لما للجزائر من قيمة ثورية كبيرة، ودور واضح في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وتعتبر مباركة السنوار شخصيا، لإعادة انتخاب الرئيس تبون لعهدة ثانية، رغم المصاعب التي يعيشها داخل غزة، بمثابة رد قاصم ضد كل الأصوات العربية والجزائرية النشاز التي ما فتئت تشكك في الموقف الجزائري الثابت في الدفاع عن قطاع غزة وعن فلسطين كلها، وترديدها أسطوانات فارغة عن أن الدعم الجزائري لغزة فلسطين هو بمثابة متاجرة بالقضية، ليأتي الرد الواضح والصريح من قلب غزة، ومن أكبر قادتها الميدانيين، الذي ثمن عاليا “الدور الجزائري في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه في المحافل الدولية”.
وهذا يعني أيضا، مدى إدراك المقاومة الفلسطينية عموما، وحركة حماس بشكل خاص، لأهمية الدور الجزائري في دعم جبهة المقاومة، بكل الأشكال، خاصة في ظل الخذلان العربي الهائل الذي تعيشه أمتنا، علما أن الجزائر الواثقة من مواقفها الصلبة من القضية الفلسطينية، تعد من البلدان القليلة جدا في العالم التي رفضت تصنيف حماس كحركة إرهابية كما تريد أمريكا والكيان، بينما رضخت الكثير من الأنظمة العربية لهذا التصنيف المهين، وشرعت في محاربة حماس والمقاومة استنادا لهذا التصنيف الأمريكي بما يتبعه من دعم واضح للعدوان الصهيوني على غزة والضفة أيضا.
إن رسالة الرجال في غزة، وعلى رأسهم يحي السنوار شخصيا، لم توجه لأشباه الرجال في أي منطقة عربية أو غيرها، بل وجهت للرجال في الجزائر، الذين ما تراجعوا وما تخلفوا عن نصرة فلسطين وأهلها، وعليه فإن الرجال وحدهم من يعرفون قدر الرجال، وكذلك هي حال رجال غزة مع رجال الجزائر.
القائد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: أهنئ فخامة الرئيس عبد المجيد تبون على تجديد ثقة الشعب الجزائري به رئيساً للجزائر 🇵🇸🇩🇿 pic.twitter.com/3905uWOPkm
— غزة الآن – Gaza Now (@nowgnna) September 10, 2024