الجمعة 10 مايو 2024

الكيان يصاب بالجنون ويتوجه نحو الهاوية

الكيان

الكيان يفقد اتزانه بعد حصوله على طائرات "الإف 35" و"لإف 15" والمئات من "أم القنابل" الأمريكية

ⓒ أ.ف.ب
  • ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق قد يكون منعرج الحرب في المنطقة
كاتب صحفي

صعد الكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة، بشكل كبير وغير مسبوق، من أعماله الوحشية واعتداءاته الهمجية في قطاع غزة وحتى خارجها، ودخل مرحلة لا يمكن وصفها إلا بحالة الجنون الكامل، التي تدلل عليها هذه العشوائية في تدمير كل شيء أمامه، وتخطي كل الخطوط الحمراء، بسبب الفشل الهائل الذي يعاني منه في غزة، وعدم قدرته رغم قوة النيران الكبيرة التي يستعملها، في تحقيق أي من أهدافه المعلنة من عدوانه على القطاع الصامد منذ حوالي الستة أشهر.

وبرزت حالة الجنون والتخبط الصهيوني بشكل واضح هذه الأيام، بعد الجرائم المروعة التي ارتكبها الجيش الصهيوني في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وأدت إلى تدمير كامل لأكبر المجمعات الطبية في القطاع، ومقتل المئات من المرضى والنازحين بداخله، وانتقال الكيان لاستهداف الطواقم الإغاثية الأجنبية مباشرة، بعد إجهازه على كل الطواقم المحلية للمساعدات الإنسانية، قبل الانتقال إلى كسر كل الخطوط الحمراء بالاعتداء السافر الأول من نوعه على البعثات الدبلوماسية للدول المجاورة، باستهدافه للقنصلية الإيرانية في دمشق، وقتله أبرز قيادات الحرس الثوري الإيراني، بكل ما لمثل هذه العملية من تداعيات خطيرة على استقرار المنقطة.

ويبدو الجنون الصهيوني المتصاعد في الأيام الأخيرة، مرتبطا بشكل واضح بحجم الفشل الكبير الذي يعانيه جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه في غزة، سواء ما تعلق بالقضاء على حماس والمقاومة، أو باسترجاع أسراه، كما يرتبط بالضغوط الكبيرة التي تمارسها عائلات الأسرى الصهاينة والتي هددت مؤخرا بـ”إحراق إسرائيل” إذا لم تنجز حكومة الكيان صفقة إطلاق سراح ذويهم، علاوة على أن الحالة الجنونية هذه مرتبطة أكثر بالحالة النفسية لنتنياهو الذي أصبح مصيره مهددا بشكل شخصي نتيجة فشله في تحقيق النصر، وتصاعد دعوات الذهاب نحو انتخابات مسبقة، وتصاعد ضغط اليمين المتطرف عليه باستخدام الخيار “الشمشوني” القاضي بتدمير كل شيئ، واجتياح رفح رغم الرفض الدولي العارم.

محرقة “الشفاء”

وشكلت محرقة مجمع الشفاء الطبي، واحدة من بين أبرز الأعمال الصهيونية وحشية في عمر هذا العدوان، بعد ما تكشف من جرائم مروعة قام بها هذا الجيش عقب انسحابه من المجمع فجر الاثنين الماضي، أين ظهرت صور أصابت العالم كله بالذهول، نتيجة الدمار والإحراق الواسع في المستشفى ومحيطه وصور الأشلاء الملقاة في الشوارع بعد أن تحللت، ما أدى إلى تغيير كبير في معالم المنطقة برمتها، وأخرج مجمع الشفاء كليا عن الخدمة، وترك سكان غزة، خاصة في الشمال، من دون أدنى خدمات طبية بعد القضاء على كل معالم الحياة الأخرى بما فيها مصادر الطعام والماء.

وكان صادما أن يستيقظ العالم على صور عشرات الجثث الملقاة في الشوارع المدمرة، وهي في حالة متقدمة من التحلل جراء استحالة دفنها خلال أيام الاجتياح الذي أدى في نهايته إلى كارثة إنسانية كبرى بمقتل ما لا يقل عن 400 فلسطيني بعضهم عبر إعدامات ميدانية وهم معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي، واعتقال المئات، في أكبر جريمة فاقت في بشاعتها كل عمليات القصف والتدمير السابقة منذ بداية العدوان.

وتعد “محرقة الشفاء” مجرد عنوان كبير لتوجهات الكيان الصهيوني في المرحلة المقبلة، نحو تدمير شامل لكل المستشفيات المتبقية في القطاع، بالنظر إلى توجهه لتكررا الجريمة نفسها مع أكبر مستشفيات خان يونس “الأمل” و”ناصر” اللذين يحاصرهما، بالتوازي مع التصعيد في تدمير كل مظاهر الحياة الأخرى بما في ذلك تدمير المساجد على رؤوس المصلين والتي وصل عددها إلى أكثر من 500 مسجد في القطاع بشكل كلي أو جزئي.

ضرب قنصلية إيران بدمشق

وتأتي بعد “محرقة الشفاء”، العملية الجنونية الأخرى التي وقعت، الاثنين، والمتعلقة بضرب القنصلية الإيرانية ومقر السفير بالعاصمة السورية دمشق، وأدت إلى مقتل سبعة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني بينهم العميد محمد رضا زاهدي، الذراع الخارجية للحرس الثوري، وهي العملية التي تعد انتهاكا واضحا للقوانين الدولية كما يعد بمثابة إعلان حرب مباشرة من الكيان الصهيوني على إيران باستهداف مقر دبلوماسي رسمي.

ومن شأن هذا التصعيد الصهيوني الجنوني أن يدخل المنطقة في مواجهة أوسع مما هي حاصلة الآن، خاصة بعد التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون بعد الاعتداء، والتي جاءت من رؤوس نظام الملالي وتحديدا من المرشد العام للثورة والرئيس رئيسي، علاوة على صدورها من حزب الله اللبناني الذي أكد أن الجريمة “لن تمر دون عقاب وانتقام”، وكذا على لسان مسؤولين آخرين بينهم سفير إيران بسوريا الذي أكد أن إيران سترد على إسرائيل برد “حاسم”.

وسارعت الولايات المتحدة المتحالفة مع الكيان كعادتها، للادعاء أنها لم تكن على علم بالهجوم، ولا كان لها أي دور فيه، في محاولة لمنع توسعة الحرب أو تعرض مصالحها في المنطقة خاصة في العراق وسوريا إلى هجمات انتقامية كما كانت الحال قبل عدة أشهر، إلا أن ذلك لن ينفي عن أمريكا تورطها في العملية ولو في الجانب الاستخباري، حيث أن الكيان لا يمكنه القيام بعملية بهذا الحجم دون “معلومات” أمريكية، إلا أن الولايات المتحدة قد تكون تفاجأت باستغلال الصهاينة لتلك المعلومات المتاحة لهم، للقيام بهذا الهجوم، ما يعني أن أمريكا فشلت في كبح جماح نتنياهو الهائج هذه الأيام كالثور الأعمى، والذي يبدو أنه يسير في طريق إحراق المنطقة برمتها، بما فيها الكيان الصهيوني نفسه.

ضرب فرق الإغاثة الدولية

ولم يتوقف هذا الجنون والغطرسة الصهيونية عند هذا الحد، بل إنه وصل لأول مرة إلى حد ضرب قوافل الإغاثة الأجنبية، بعد استهداف فريق أجنبي مكون من سبعة أشخاص من جنسيات بريطانية وأسترالية وبولندية، يشتغلون ضمن طاقم منظمة “المطبخ المركزي الدولي” في مدينة دير البلح، كانت تقوم بتوزيع المساعدات الغذائية بعد تمكن المنظمة من إدخال أول سفينة مساعدات إلى غزة.

وجاءت هذه الجريمة التي تجاوزت بدورها أيضا كل الخطوط الحمراء، بمثابة رسالة تهديد لكل المنظمات الإغاثية الإنسانية الدولية التي تحاول الوصول إلى الجوعى في غزة أو فك الحصار المضروب عليهم، بعد أن ضرب جيش الكيان كل القوافل المحلية، وضرب المساعدات التي تقودها “الأونروا”، قبل أن يستهدف بهذا العمل الإجرامي منظمة “وورلد سنترال كيتشن” مباشرة، بعد أن تبين للكيان أنها تقدم خدمات كبيرة للمحاصرين حيث تشير إحصاءات المنظمة عن تمكنها من تقديم أكثر من 42 مليون وجبة طوال مدة العدوان.

وبالفعل، فقد نجح الكيان في تخويف هذه المنظمة التي تشتغل بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، حيث سارع المطبخ إلى “تعليق” عملياته في المنطقة، تماما كما اضطرت إلى القرار نفسه الكثير من الجهات التي حاولت إغاثة الغزيين وكان مصيرها القصف على غرار اللجان الشعبية المحلية. وهو الأمر الذي يؤكد نية الكيان المبيتة باستمرار منع إدخال المساعدات للسكان المحاصرين، واستخدام الغذاء كسلاح حرب بشكل علني وصريح، في تحد سافر لكل القوانين الدولية.

السر في تدفق السلاح الأمريكي

ولا يمكن فهم السر الكامن وراء هذا الجنون الصهيوني الذي تجاوز كل الحدود، وهذا التحدي لكل القوانين الدولية وهذا الاستخفاف بأحكام محكمة العدل الدولية وقراراتها، بل وهذا التهور ناحية ضرب قوة كبرى مثل إيران في المنطقة، إلا من خلال فهم طبيعة “الحبل السري” الذي يربط الكيان بالولايات المتحدة، الراعية الأولى للإرهاب الصهيوني في العالم، والمتعلق تحديدا باستمرار صفقات التسليح الأمريكية للكيان بشكل لا يصدق رغم الجرائم المروعة التي ترتكبها “إسرائيل”، ورغم محاولات أمريكا النأي بنفسها عن تلك الجرائم، إلا أن الاطلاع على حقيقة التسليح الأمريكي للكيان، وحجم التدفق الكبير لتلك الأسلحة نحو تعزيز قوة الكيان بوصفه “حاملة الطائرات الأرضية” لأمريكا في الشرق الأوسط، تكشف لماذا لا يأبه الكيان بأي شيئ، ولماذا زادت شهوته للدماء بهذا الشكل.

فقبل أيام من الآن ظهرت طبيعة صفقة تسليح مذهلة مكونة من قنابل أمريكية فتاكة تم تسليمها لإسرائيل، والتي تشمل كما كشفها مسؤولون أمريكان لوسائل إعلام أمريكية علاوة عن طائرات إف 35، عن أكثر من 1800 قنبلة مارك 84 (MK84) بوزن 2000 رطل وحوالي 500 قنبلة مارك 82 (MK82) بوزن 500 رطل، والتي تندرج تحت مسمى “أم القنابل”، الأمر الذي يطرح أسئلة في العمق عن إمكانية أن تكون الطائرات الأمريكية هي من تقوم باستعمال هذه القنابل الضخمة في غزة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما أن “إسرائيل” لا تمتلك الطائرات القادرة على استعمال هذا النوع من الذخائر الضخمة.

والأدهى من ذلك، أن واشنطن تستعد للموافقة على صفقة تاريخية مع الكيان تزوده من خلالها في ظل هذا الإجرام وهذا الجنون الصهيوني بحوالي 50 طائرة مقاتلة أمريكية الصنع من طراز F-15، في صفقة هي الأكبر من نوعها والتي من المتوقع أن تبلغ قيمتها أكثر من 18 مليار دولار.

ويتضح من خلال هذا النفاق الأمريكي الذي أصبح غير محتمل، أن الولايات المتحدة هي من تقف خلف كل هذا الجنون الصهيوني، وخلف هذا الصلف الذي يبديه نتنياهو، بل إنها تحضر بطريقة “خبيثة” لما هو أدهى وأمر من كل ما رأيناه لحد الآن من جرائم صهيونية منذ 8 أكتوبر من العام الماضي، وذلك عبر الخطط السرية التي يتم تدارسها بين تل أبيب وواشنطن في كيفية اجتياح رفح، والتي إذا لم يتحرك المجتمع الدولي لمنع المجزرة المقبلة، فإنها لا قدر الله ستنسينا في كل ما سبق.

إلا أن ذلك كله، بقدر ما يؤشر لفائض القوة بلا عقل الذي تعانيه “إسرائيل” اليوم في ظل حكم اليمين المتطرف، بقدر ما يؤشر أيضا إلى اقتراب نهاية الكيان الذي وصل من الطغيان حدا لم يسبقه إليه أحد، وهو تحديدا ما بات يحذر منه الكثيرون داخل “إسرائيل” نفسها، ومنها التحذيرات التي تثير ضجة واسعة اليوم داخل الكيان من طرف الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، الذي يؤكد أن إسرائيل موجودة حاليا في مفترق طرق حاسم، نتيجة ما تقوم به حاليا من جرائم وأفعال جنونية، وإن رئيس الحكومة نتنياهو لا يقوم بشيء من خلال إطالة أمد الحرب سوى الدفع بـ”إسرائيل” نحو الهاوية.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top