السبت 27 أبريل 2024

الكيان يتحدى العالم ويرفض وقف إطلاق النار

الكيان

الصهاينة يكثفون عدوانهم على المستشفيات والمدنيين بعد صدور القرار الأممي

ⓒ أسوشيتد برس
  • الجزائر تقود معركة "تنفيذ" القرار بمجلس الأمن
كاتب صحفي

لم يبد الكيان الصهيوني، أي استجابة لقرار مجلس الأمن الدولي الذي أقر الاثنين الماضي، بوقف إطلاق النار في غزة فورا خلال شهر رمضان على الأقل، حيث واصل، في أثناء وبعد اعتماد القرار الدولي، عدوانه بشكل أكثر شراسة من الأول، على المستشفيات والبنى المدنية، لتصبح المعركة بعدها في كيفية فرض الصيغة “التنفيذية” على هذا العدو، وإجباره على الامتثال للقرار الأممي، والذي تتزعم الجزائر جهود تطبيقه في كواليس مجلس الأمن، في ظل مواجهة خفية مع الجانب الأمريكي، الذي ورغم امتناعه هذه المرة عن استعمال “الفيتو”، إلا أنه سارع للتعليق أن القرار الدولي الجديد “غير ملزم”.

ويأتي رفض الكيان الصهيوني تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، والذي قدمته مجموعة الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتم اعتماده بغالبية 14 صوتا بينها الجزائر، وامتناع الولايات المتحدة، ليؤكد مرة أخرى، رغم لغة القرار الضعيفة التي لم تتضمن كلمة “دائم”، واقتصرته على ما تبقى من شهر رمضان، أن هذا الكيان هو بالفعل كيان فوق القانون، ولا يأبه للقرارات الدولية ولا يعترف بمجلس الأمن ولا بالمواثيق الدولية، وأنه يعتمد في بقائه على القوة العسكرية وعلى الحماية الأمريكية والغربية له، وهو ما بات يهدد بقاء النظام العالمي برمته، وقد يتسبب في تفكيكه مع بروز انقسامات حادة جعلت العالم كله في كفة، و”إسرائيل” إلى جانب الولايات المتحدة وحدهما في كفة أخرى.

وقد تجلى الرفض والتحدي الصهيوني للقرار الدولي هذا، في ارتفاع حدة الجرائم الصهيونية في مجمع الشفاء الطبي الذي اقتحمته قوات الاحتلال منذ أكثر من عشرة أيام، ونفذت بداخله عمليات اغتيال لمئات الفلسطينيين مع اغتصاب جماعي للنساء واعتقال في ظروف لا إنسانية لأعداد كبيرة من النازحين والطواقم الطبية بداخله، إضافة إلى مهاجمتها لمستشفيي “الأمل” وناصر” بخان يونس، مع غارات مكثفة وأحزمة نارية ضربت كل القطاع من الشمال إلى الجنوب بما في ذلك منطقة رفح المكتظة بالنازحين، ما أدى إلى مقتل وجرح المئات من الفلسطينيين منذ قرار وقف إطلاق النار فقط.

رفض صهيوني قاطع

والمثير أن الصهاينة، لم يخفوا رفضهم للقرار الدولي بوقف إطلاق النار، بل خرج المسؤولون في الكيان يتحدون العالم كله وقرارات الأمم المتحدة بتصريحات أقل ما يقال عنها أنها “مهينة” للأمم المتحدة ومؤسساتها، حيث سارع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى القول بأنهم سيواصلون القتال حتى يصلوا إلى “السنوار حيا أو ميتا”، بحسب تعبيره، وهو نفس ما عبر عنه مكتب نتنياهو الذي أصدر بيانا عبر فيه أن “إسرائيل لن ترضخ لمطالب حماس الوهمية، وستواصل العمل من أجل تحقيق أهداف الحرب كاملة وهي الإفراج عن جميع المختطفين (الأسرى الإسرائيليين في غزة)، وتدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، والضمان بأن غزة لن تشكل أبدًا أي تهديد على إسرائيل”، بينما تحدى وزير خارجية الكيان، يسرائيل كاتس، العالم بكل صفاقة وأكد بعد صدور قرار مجلس الأمن مباشرة أن “إسرائيل لن توقف إطلاق النار بقطاع غزة وستواصل القتال حتى إعادة جميع المحتجزين وتدمير حركة حماس”.

ولم تتوقف التصريحات الصهيونية الرافضة لقرار وقف إطلاق النار عند هذا الحد، بل إن بيني غانتس نفسه اعتبر أنه على إسرائيل واجب أخلاقي بمواصلة القتال حتى استعادة المخطوفين وإزالة تهديد “حماس”، فيما ذهب عتاة اليمين المتطرف إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث صرح وزير المالية سموترتش “إن إسرائيل ليست دولة تحت وصاية أمريكية”، وخرج المجنون بن غفير بعدها مباشرة ليدعو نتنياهو لاجتياح رفح فورا.

مواجهة جزائرية أمريكية حول “تنفيذ” القرار

وتجددت المواجهة الجزائرية الأمريكية المعروفة في أروقة مجلس الأمن على خلفية الحرب في غزة، ومشاريع القرارات حول وقف إطلاق نار، حيث سارعت أمريكا مباشرة بعد اعتماد قرار مجلس الأمن، إلى وصفه بأنه قرار “غير ملزم”، في محاولة منها لامتصاص قوته وتأثيره، وكذا امتصاص الغضب الصهيوني ضدها لعدم استعمالها “الفيتو” كما العادة، فيما سارعت الجزائر مباشرة بدورها أيضا باعتبارها هي من حركت مجموعة العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن نحو تبني هذا القرار، للمطالبة بتنفيذ القرار بحذافيره.

وسجل سجال قانوني واضح بين الجزائر والولايات المتحدة حول “إلزامية” القرار من عدمه، حيث قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية إن القرار “غير ملزم”، وقد فشلت الولايات المتحدة في تبرير أسئلة الصحافيين حول جدوى القرار إذا كان بالفعل “غير ملزم”، وبالتالي ما الجدوى من اجتماعات مجلس الأمن، ومن المفاوضات المضنية بين الدول دائمة العضوية وغير الدائمة العضوية، بل ما الجدوى أصلا من وجود الأمم المتحدة، إذا كانت قراراتها الخاصة بوقف جرائم الإبادة والحروب المفضية إلى الإبادة “غير ملزمة”؟.

وتولى السفير الجزائري في الأمم المتحدة عمار بن جامع، دور المدافع عن القرار الجديد، والمطالبة بتنفيذه، حيث طالب مجلس الأمن بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار في غزة، لإدراكه أن الولايات المتحدة ستحاول الالتفاف عن القرار بحجج قانونية سطحية، لتمكين الكيان من تجاوزه، وقد ارتفعت نبرة السفير بن جامع بين خطابه الاثنين بمجلس الأمن، وخطابه الموالي ليوم الثلاثاء في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الشهري لمجلس الأمن حول فلسطين، حيث انتقل من المطالبة بتنفيذه إلى المطالبة بتنفيذه “بحذافيره”، موضحا “أن ميثاق الأمم المتحدة واضح بشأن الطابع الملزم للقرارات”، حتى وإن كانت في جانب منها ليست ملزمة جزئيا.

وترتكز النظرة الجزائرية في ضرورة تنفيذ القرار الأخير لوقف إطلاق النار، ليس فقط على الجانب القانوني، بل على الجانب الإنساني أيضا ومستقبل السلم والأمن الدوليين، إذا ما تم التعاطي مع الجرائم المروعة المرتكبة حاليا في غزة من طرف جيش الاحتلال، والتي لم يشهد لها التاريخ المعاصر والحديث مثيلا لها، خاصة تجاه الأطفال والنساء، بهذا القدر من “الاستخفاف”، وأن استمرار هذا النهج الخطير في التعاطي مع القوانين الدولية، بجعل الصهاينة فوق القانون الدولي، قد يؤدي في النهاية، ليس فقط إلى سقوط النظام العالمي الحالي وذهابه نحو تعددية قطبية، بل قد يكون سببا في انهيار كامل لهذا النظام نحو الفوضى الشاملة.

YouTube video

إلى أين يمضي الصهاينة؟

وأمام هذا الوضع العجيب في تعامل المنتظم الدولي مع كيان “لقيط” بهذا الشكل، يصبح السؤال الكبير الذي يفرض نفسه الآن هو إلى أين يأخذ الكيان المنطقة، خاصة بعد “العزلة الدولية” الكبيرة التي بدأ يعانيها لأول مرة منذ أن زرعته الامبريالية العالمية على أرض فلسطين العربية، وبعد نذر فشل المفاوضات في الدوحة التي بدأت بدورها تلوح على إثر استمرار رفض الصهاينة قبول شروط المقاومة لتبادل الأسرى.

وإذا كان قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بوقف إطلاق النار في غزة، قد ثبت حقيقة العزلة السياسية غير المسبوقة للكيان كما أكد ذلك إسماعيل هنية رئيس المجلس السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكشف حجم الحرج الدولي الهائل الذي يطوق رقبة الأمريكان بسبب دعمهم الأعمى لهذه الدولة غير المنبوذة، فإن إصرار الكيان على مواصلة الحرب والتدمير، حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن، سيهدد بمصير أسود لكامل المنطقة، وقد يؤدي هذا الصلف الصهيوني والتعنت الكبير في فرض الشروط على الفلسطينيين، إلى انفجار كامل المنطقة ودخول أطراف أخرى الحرب.

وما ينذر بهذا المصير أن الأمر لم يتوقف عند حدود رفض الكيان وقف إطلاق النار ولو بصيغته الإنسانية المؤقتة في ما تبقى من شهر رمضان المعظم، بل بسبب الاحتمالية العالية لفشل مفاوضات الدوحة حول الصفقة المرتقبة لتبادل الأسرى ووقف القتال، بعد ورود أنباء متواترة عن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود مع استمرار الحرب الوحشية ضد القطاع، ورفض الكيان سحب جيشه من القطاع أو إعادة النازحين الى بيوتهم في الشمال، بل وارتفاع حدة الحرب بعد قرار وقف إطلاق النار الأخير في مجلس الأمن، وربما تطور الأمر في الأيام المقبلة إلى عملية برية في رفح، ستكون بكل المعايير كارثة إنسانية ووصمة عار لا تمحى في جبين النظام العالمي برمته.

لقد وصل الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا حول القضية الفلسطينية، إلى نقطة تاريخية حرجة للغاية، يتعين فيه على العالم أن يتحمل مسؤولياته حيال هذه الدولة المارقة، أو أن طوفانا آخر سيجرف كل ما هو قائم الآن، بحيث لن يكون أمام الشعب الفلسطيني وقاه المقاومة، خيار آخر سوى مواصلة المقاومة، في انتظار أن يبعث الله في هذه الأمة رجلا يعيد لها هيبتها ويوحد طاقاتها لاجتثاث هذا الكيان من فلسطين، كل فلسطين.

YouTube video

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top